( النفخة الثالثة ) :
نفخة البعث والنشور ، وقد جاء في الكتاب العزيز آيات تدل عليها ، وأخبار تشير إليها كقوله تعالى :
(
ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون ) ، وقوله :
(
ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ) - (
فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ) قال
الكلبي وغيره : هي نفخة البعث ، والناقور فاعول من النقر ، وقوله تعالى :
(
واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ) الآية ، قال المفسرون :
المنادي هو
إسرافيل عليه السلام ، ينفخ في الصور وينادي أيتها العظام البالية ، والأوصال المتقطعة ، واللحوم المتمزقة ، والشعور المتفرقة ، إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء .
وقيل : ينفخ
إسرافيل ، وينادي
جبريل ، والمكان القريب صخرة
بيت المقدس . قاله جماعة من المفسرين .
وبين النفختين أربعون عاما - قال بعض العلماء : اتفقت الروايات على ذلك .
وفي
[ ص: 165 ] مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026627ما بين النفختين أربعون . قالوا :
يا
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة أربعون يوما ؟ قال :
أبيت ، قالوا :
أربعون شهرا ؟ قال :
أبيت ، قالوا :
أربعون عاما ؟ قال :
أبيت - الحديث ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - " أبيت " فيه ثلاث تأويلات :
أولها : امتنعت من بيان ذلك لكم ، وقيل : أبيت أسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك ، وقيل : نسيت ، وقيل : إن سر ذلك لا يعلمه إلا الله ؛ لأنه من أسرار الربوبية .
وفي حديث أن بين النفختين أربعون عاما ، وفي تفسير
الثعلبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - في تفسير سورة الزمر مرفوعا "
إن الله يرسل مطرا على الأرض فينزل عليهم أربعون يوما حتى يكون فوقهم اثني عشر ذراعا ، فيأمر الله تعالى الأجساد أن تنبت كنبات البقل ، حتى إذا تكاملت أجسادهم كما كانت قال الله تعالى : ليحيا حملة العرش ، ليحيا جبريل وميكائيل وإسرافيل وعزرائيل ، ثم يأمر الله تعالى إسرافيل فيأخذ الصور فيضعه على فيه ، ثم يدعوا الأرواح فيؤتى بها ، تتوهج أرواح المؤمنين نورا والأخرى ظلمة فيقبضها جميعا ، ثم يلقيها في الصور ، ثم يأمره أن ينفخ نفخة البعث فتخرج الأرواح كلها كأنها النحل قد ملئت ما بين السماء والأرض ، ثم يقول الله تعالى :
وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى جسدها ، فتدخل الأرواح من الخياشيم ثم تمشي مشي السم في اللديغ ، ثم تشق الأرض عنهم سراعا ، فأنا أول من تنشق عنه الأرض ، فتخرجون منها إلى ربكم تنسلون " ، وأخرج الشيخان من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026629قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " ما بين النفختين أربعون " قيل : أربعون يوما ؟ قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : أبيت ، قال : أربعون شهرا ؟ قال : أبيت ، قال : أربعون سنة ؟ قال : أبيت ، " ينزل من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل ، وليس من الإنسان شيء إلا يبلى إلا عظم واحد ، وهو عجب الذنب منه يركب الخلق يوم القيامة " . وفي رواية
لمسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026630أن في الإنسان عظمة لا تأكلها الأرض أبدا فيه يركب الخلق يوم القيامة . قالوا : أي عظم هو يا رسول الله ؟ قال : عجب الذنب " . ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك ،
وأبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي باختصار ، قال :
"
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026631كل ابن آدم تأكله الأرض إلا عجب الذنب ، منه خلق ، وفيه يركب " . قال الحافظ
المنذري كغيره : عجب الذنب بفتح العين المهملة
[ ص: 166 ] وإسكان الجيم بعدهما باء موحدة أو ميم ، وهو العظم الحديد الذي يكون في أسفل الصلب ، وأصل الذنب من ذوات الأربع .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه من حديث
ابن سعيد - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026632يأكل التراب كل شيء من الإنسان إلا عجب ذنبه " قيل :
وما هو يا رسول الله ؟ قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026633مثل حبة خردل منه تنبتون " ، وفي
الثعلبي في تفسير سورة الأعراف ، وتفسير
ابن عطية عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنهم :
إذا مات الناس كلهم في النفخة الأولى يعني - نفخة الصعق - أمطر عليهم أربعين عاما كمني الرجال من ماء تحت العرش - يعني ماء الحيوان - فينبتون من قبورهم بذلك المطر كما ينبت الزرع من الماء ، حتى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ، ثم يلقي عليهم نومة فينامون في قبورهم ، فإذا نفخ في الصور النفخة الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم في أعينهم كما يجده النائم إذا استيقظ من نومه ، عند ذلك يقولون : ياويلنا من بعثنا من مرقدنا .
وأخرج
مسلم في صحيحه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026635أنا سيد ولد آدم ، وأول من ينشق عنه القبر ، وأول شافع ، وأول مشفع " . وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026636أنا أول من يرفع رأسه بعد النفخة الآخرة ، فإذا بموسى عليه السلام متعلق بالعرش ، فلا أدري أكذلك كان أم بعد النفخة ؟ " - وفي بعض ألفاظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026637فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش ، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة الطور ؟ " ، وأخرج
الحكيم ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر - رضي الله عنهما - قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026638خرج النبي - صلى الله عليه وسلم ، ويمينه على أبي بكر ، وشماله على عمر فقال : هكذا نبعث يوم القيامة .
وفي الصحيحين من حديث
أنس - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026639أن رجلا قال : يا رسول الله قال الله تعالى ( الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم ) أيحشر الكافر على وجهه ؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أليس الذي أمشاه على الرجلين في الدنيا قادرا على أن يمشيه على وجهه ؟ .
وقال
قتادة حين بلغه : بلى وعزة ربنا ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي وحسنه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
"
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026640يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان يساقون إلى سجن في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون [ ص: 167 ] من عصارة أهل النار طينة الخبال " . وروى
البزار من حديث
جابر - رضي الله عنه - مرفوعا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026641يبعث الله يوم القيامة ناسا في صور الذر يطؤهم الناس بأقدامهم فيقال ما هؤلاء في صور الذر ؟ فيقال :
هؤلاء المتكبرون في الدنيا ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد في الزهد عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026642يجاء بالجبارين ، والمتكبرين يوم القيامة رجال في صورة الذر تطؤهم الناس من هوانهم على الله حتى يقضى بين الناس ، قال : ثم يذهب بهم إلى نار الأنيار " قيل يا رسول الله ، وما نار الأنيار ؟ " قال عصارة أهل النار " . وروي
عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
"
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026643الميت يبعث في ثيابه التي يموت فيها " رواه
أبو داود ،
nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحه ، وفي إسناده
يحيى بن أيوب ، وهو
الغافقي المصري احتج به
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم وغيرهما وله مناكير ، قال
أبو حاتم : لا يحتج به ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : سيئ الحفظ ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي : ليس بالقوي ، وقد قال كل من وقفت على كلامه من أهل اللغة : إن المراد في ثيابه التي قبض فيها : أي في أعماله ، قال
الهروي ، وهذا كحديثه الآخر :
يبعث العبد على ما مات عليه .
قال :
وليس قول من ذهب إلى الأكفان بشيء ؛ لأن الميت إنما يكفن بعد الموت . انتهى .
قال الحافظ
المنذري ، وفعل
أبي سعيد راوي الحديث يدل على إجرائه على ظاهره ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026644وأن الميت يبعث في ثيابه التي قبض فيها ، وفي الصحاح ، وغيرها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026645إن الناس يبعثون عراة . فالله أعلم ، وحمل كثير من العلماء الحديث على الشهداء الذين أمر أن يدفنوا في ثيابهم التي قتلوا فيها ، وأن
أبا سعيد سمع الحديث في الشهداء فحمله على العموم .
قال
البيهقي :
يجمع بأن
بعضهم يحشر عاريا وبعضهم بثيابه ، أو يخرجون من قبورهم بثيابهم التي ماتوا فيها تتناثر عنهم عند ابتداء الحشر .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=17032محمد بن نصر المروزي بإسناده عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال :
يحشر الناس يوم القيامة على قدر صنيعهم في الصلاة .
وفسره بعضهم بقبض شماله بيمينه ، والانحناء هكذا .
وبإسناده عن أبي صالح السمان : يبعث الناس يوم القيامة هكذا ، ووضع إحدى يديه على الأخرى .
نقله الحافظ ابن رجب في كتابه الذكر والانكسار ، والله أعلم :