لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
( الثالث )

أول من يحاسب العلماء والمغازون وأرباب الأموال والسعة ، وأول ما يحاسب عليه العبد الصلاة كما أخرج الإمام عبد الله بن المبارك ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، والحاكم وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :

" أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة ، يقول الله تعالى لملائكته : انظروا لصلاة عبدي أتممها أم نقصها ؟ فإن كانت تامة كتبت له تامة ، وإن كان نقص منها شيئا قال الله : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال :

أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ؟ ثم تؤخذ الأعمال على ذلك
" . وأخرج النسائي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " أول ما يحاسب عليه العبد صلاته ، وأول ما يقضى بين الناس في الدماء " . فإن قيل : قد ورد في التنزيل أن الناس لا يسألون قال تعالى : ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) ، والجواب : أنه معارض بقوله تعالى : ( فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون ) ، ويجاب عن الآية الكريمة بأنهم لا يسألون سؤال استفهام ؛ لأنه تعالى عالم بكل أعمالهم ، وإنما يسألون سؤال تقرير فيقال لهم : فعلتم كذا .

قال في البهجة كغيره : قال الحسن وقتادة : لا يسألون عن ذنوبهم ؛ لأن الله تعالى حفظها عليهم ، وكتبتها الملائكة .

وقيل : يسئلون في موطن دون موطن ، رواه عكرمة عن ابن عباس - رضي الله عنهما . ونظير هذا قوله تعالى :

( هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) ، وفي الآية الأخرى ( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) فللناس يوم القيامة حالات ، والآيات مخرجة باعتبار تلك الحالات ، ومن ثم قال الإمام أحمد في أجوبته القرآنية :

أول ما تبعث الخلائق على مقدار ستين سنة لا ينطقون ، ولا يؤذن لهم في الاعتذار فيعتذرون ، ثم يؤذن لهم في الكلام فيتكلمون ، فذلك قوله تعالى :

( ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا ) الآية فإذا أذن لهم في الكلام تكلموا واختصموا فذلك قوله تعالى :

( ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون ) عند الحساب وإعطاء المظالم ، ثم يقال لهم بعد ذلك ( لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ) يعني في الدنيا ، فإن العذاب مع هذا القول كائن . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية