[ ص: 217 ] ( الرابع ) :
مما احتجت المعتزلة لمذهبهم في نفي الشفاعة بقوله تعالى : (
واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ) وقوله :
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ، وزعموا أن من دخل جهنم يخلد فيها لأنه إما كافر أو صاحب كبيرة مات بلا توبة ، هذا رأيهم ومن وافقهم ، وهو رأي فاسد ومذهب باطل ترده الأخبار الصحيحة ، والآثار الصريحة ، وإجماع أهل الحق أيدهم الله تعالى ، وأجابوا عن الآية الكريمة أن المراد بقوله تعالى : (
لا تجزي نفس عن نفس شيئا ) الكفار للآيات الواردة ، والأخبار الثابتة في الشفاعة ، قال القاضي
البيضاوي : تمسكت
المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر ، وأجيب بأنها مخصوصة للكفار ، ويؤيد هذا أن ميثاق الخطاب معهم .
والآية نزلت ردا لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم . انتهى .
وعن قوله تعالى (
ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) المراد بالظالمين الكفار ، فإن الظالم على الإطلاق هو الكافر ، وقالت
المعتزلة في قوله تعالى (
إنك من تدخل النار فقد أخزيته ) - (
ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) - (
وكم من ملك في السماوات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى ) . ومن أخزاه الله لا يرتضيه ، ومن ارتضاه لا يخزيه ، قال تعالى : (
يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) الآية ، والجواب عن الآية الأولى ما قال سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه - خادم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معنى (
من تدخل النار ) من تخلد .
وقال
قتادة : تدخل مقلوب تخلد . ولا نقول كما قال
أهل حروراء : " يعني
الخوارج " ، فعلى هذا قوله قد أخزيته على بابه من الهلاك أي : أهلكته وأبعدته ومقته ، ولهذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب : الآية جاءت خاصة في قوم لا يخرجون من النار ، دليله قوله في آخر الآية (
وما للظالمين من أنصار ) أي الكفار ، وإن سلم أن الآية في عصاة الموحدين فالمراد بالخزي الحياء ، يقال : خزي يخزى خزاية إذا استحى ، فهو خزيان ، وامرأة خزيا ، فخزي المؤمنين يومئذ استحياؤهم من دخول النار ودار البوار مع أهل الشرك والكفار ، ثم يخرجون بشفاعة النبي الكريم ، ورحمة الرءوف الرحيم ، ونفي النصرة لا يستلزم نفي الشفاعة لأنها طلب من خضوع ، والنصرة ربما تبنى على المدافعة والممانعة والاستعلاء ، على أنا نقول لا يسلم لهم زعمهم أن الفاسق
[ ص: 218 ] غير مرضي مطلقا ، بل هو مرضي من جهة الإيمان والعمل الصالح ، وإن كان مبغوضا من جهة الذنوب والعصيان وارتكاب القبائح ، بخلاف الكافر فإنه ليس بمرضي مطلقا لعدم الأساس الذي تبنى عليه الحسنات والاعتداد بالكمالات وهو الإيمان .
والحاصل أن الإيمان بالشفاعة واجب ، وقد قدمنا من النصوص ما لعله يقلع شروش الاختلاج من خواطر من أذعن لها ، وخلع من عنقه ربقة تقليد أهل الزيغ والاعوجاج ، كيف والنصوص متواترة ، والآثار متوافرة ، والعقل الصحيح لا يحيل ذلك ، والنقل الصريح ناطق بما هنالك ، فدع عنك نحلة فلانة وفلان ، واعقد قلبك على ما صح عن سيد ولد
عدنان ، وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ، فإنه الحق الذي لا عقل يحيله ، ولا نقل يزيله ، والله تعالى الموفق .