( الثالث ) :
قال
ابن مفلح في فروعه : ولم يبعث إليهم - يعني الجن - نبي قبل نبينا - صلى الله عليه وسلم ، قال : وليس منهم رسول ، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى وابن عقيل وغيرهما ، وأجابوا عن قوله تعالى (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) أنها كقوله تعالى (
يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان ) وإنما يخرج من أحدهما ، وكقوله : (
وجعل القمر فيهن نورا ) وإنما هو في سماء واحدة .
قال : وللمفسرين قولان ، والقول بأن منهم رسلا قول
الضحاك وغيره . قال الإمام
الحافظ ابن الجوزي : وهو ظاهر الكلام .
وقال
الحافظ السيوطي في ( لقط المرجان ) : جمهور العلماء سلفا وخلفا على أنه لم يكن من الجن قط رسول ولا نبي ، كذا روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
ومجاهد والكلبي وأبي عبيد ، وقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبى حاتم عن
مجاهد في قوله تعالى (
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم ) قال : ليس في الجن رسل إنما الرسل في الإنس ، والنذارة في الجن ، وقرأ (
فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين ) ، وأخرج
ابن المنذر عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قوله : رسل منكم قال : رسل الرسل ، وقرأ الآية .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، وأما
[ ص: 224 ] الذين قالوا بقول
الضحاك ، فاحتجوا بأن الله أخبر أن من الجن رسلا أرسلوا إليهم ، قالوا : لو جاز أن يكون خبره عن رسل الجن بمعنى رسل الإنس لجاز أن يكون خبره عن رسل الإنس بمعنى أنهم رسل الجن ، وفي فساد هذا المعنى ما يدل على أن الخبرين جميعا بمعنى الخبر عنهم أنهم رسل الله ؛ لأنه المعروف في الخطاب دون غيره .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد بن حزم :
لم يبعث إلى الجن نبي من الإنس البتة قبل
محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنه ليس الجن من قوم الإنس ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026806وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة " . قال : وباليقين ندري أنهم قد أنذروا ، وأفصح أنهم كان لهم أنبياء منهم في قوله (
ألم يأتكم رسل منكم ) . انتهى .
وتأول الجمهور كل ما ورد من ذلك ، ولا يخفى أن ظاهر القرآن مع ما قاله
الضحاك والأكثرون على خلافه ، وتحقيق ذلك والبحث فيه مما لا فائدة فيه لعدم ترتب شيء عليه ، غير أن نقطع بأنهم سمعوا ببعثة رسل الإنس لقوله تعالى (
إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى ) وظاهر هذا أنهم كانوا مؤمنين بشريعة
موسى عليه السلام ، والظاهر أن الشياطين الذين سخرهم الله
لسليمان كانوا يأتمرون في الشرائع بقوله ، وهو كان من أنبياء
بني إسرائيل ، وهل كان على شرع مستقل أو شرع
موسى ؟ قلت : الظاهر كما يفهم من كلام
شيخ الإسلام ابن تيمية في الجواب الصحيح وغيره أنه كان على شرع
موسى ؛ لأن شريعة التوراة استمرت من عهد
موسى إلى أن بعث
عيسى ، فنسخ بعضها وأمر باتباع بعض ، وهذا ظاهر في أنه كان على شريعة
موسى ، بل صريح والله أعلم .
( الرابع ) :
قال في الفروع : قال شيخنا - يعني في الإسلام
ابن تيمية قدس الله روحه :
ليس الجن كالإنس في الحد والحقيقة ، فلا يكون ما أمروا به وما نهوا عنه مساويا لما على الإنس في الحد والحقيقة ، لكنهم مشاركوهم في جنس التكليف بالأمر والنهي والتحليل والتحريم بلا نزاع أعلمه بين العلماء ، فقد يدل ذلك على مناكحتهم وغيرها .
قال في الفروع : وقد يقتضيه إطلاق أصحابنا . وفي المغني وغيره أن الوصية لا تصح لجني ؛ لأنه لا يملك بالتمليك كالهبة .
قال في الفروع : فيتوجه من انتفاء التمليك
[ ص: 225 ] منا منع الوطء لأنه في مقابلة مال ، قال الله تعالى : (
والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا ) ، وقال : (
ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها ) قال : وقد جعل أصحابنا هذا المعنى في شروط الكفاءة فههنا أولى ، قال : ومنع منه غير واحد من متأخري الحنفية وبعض الشافعية ، وجوزه منهم
ابن يونس في شرح الوجيز . قال في مسائل حرب : باب
مناكحة الجن ثم روى عن
الحسن وقتادة والحكم وإسحاق كراهتها ، وروى من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن
يونس عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري :
نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن نكاح الجن .
وعن
زيد العمي : اللهم ارزقني جنية أتزوجها تصاحبني حيث ما كنت . قال في الفروع : ولم يذكر حرب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد شيئا ، وعن
مالك : لا بأس به في الدين ، ولكنني أكره إذا وجدت امرأة حامل فقيل : من زوجك ؟ قالت : من الجن ، فيكثر الفساد . انتهى .
وذكر الحافظ
السيوطي آثارا وأخبارا عن السلف والعلماء تدل على وقوع التناكح بين الجن والإنس .
وقد حدثني بوقوعه جماعة معهم أنفسهم ، فالله أعلم بصحة ذلك ، وإن ظهر مخايل ثبوته ، فأنا على شك منه ، والله الموفق .