( الثانية ) : ذهب جماعة من العلماء منهم
الحافظ عماد الدين بن كثير إلى أن
النساء لا يرين الله تبارك وتعالى في الآخرة ، وذهب جماعة أيضا منهم
العز بن عبد السلام ، وتبعه صاحب آكام المرجان
وابن جماعة إلى أن الملائكة لا يرون الله أيضا تبارك وتعالى في الجنة ، وهذا خلاف التحقيق ، فإن النص الصريح والخبر الصحيح يرد هذا ويبعده ويبطله ويدحضه ويطرده ، فعند
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني مرفوعا "
إذا كان يوم القيامة [ ص: 248 ] رأى المؤمنون ربهم - عز وجل - فأحدثهم عهدا بالنظر إليه في كل جمعة ، قال : ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم الأضحى " أي : في مثل يوم الفطر ويوم الأضحى ، وعموم الأحاديث شاملة للنساء من غير توقف .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري عن
عكرمة قال : قيل
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس - رضي الله عنهما - كل من يدخل الجنة يرى الله تعالى ؟ قال : نعم .
وأخرج
أبو نعيم في الحلية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :
تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الآية ( رب أرني أنظر إليك ) ، قال : يا موسى إنه لن يراني أحد إلا مات ، ولا يابس إلا تدهده ، ولا رطب إلا تفرق ، وإنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم ، ولا تبلى أجسادهم " . وبظاهر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني أخذ
ابن كثير فاختار أن النساء يرين ربهم في الأعياد دون الجمع ، وبه جزم الحافظ السيوطي ، لكنه يحتاج إلى دليل خاص أقوى من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني ، واستثنى الحافظ
السيوطي زوجات الأنبياء عليهم السلام وبناته فيرينه تعالى في غير الأعياد ، كما أن
أبا بكر وعمر يريانه تعالى أزيد من غيرهما من غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، قلت :
ومريم ابنة عمران ،
وامرأة فرعون ينبغي أن تكون من المستثنيات ، وكذا نحوهما
كأم موسى وأخته ، والله أعلم .
وفي آخر البدور السافرة للحافظ
السيوطي : وقع في كلام بعض الأئمة أن
رؤية الله تعالى خاصة بمؤمني البشر ، وأن الملائكة لا يرونه ، واحتج له بقوله تعالى (
لا تدركه الأبصار ) فإنه عام خص منه بالآية والأحاديث في المؤمنين فيبقى على عمومه في الملائكة .
قال
السيوطي : وقد نص
البيهقي على خلافه فقال في كتاب الرؤية : ذكر ما جاء في
رؤية الملائكة ربهم - فأخرج عن
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال : خلق الله الملائكة لعبادته أصنافا ، وإن منهم لملائكة قياما صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة ، وملائكة ركوعا خشوعا من يوم خلقهم إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة ، قالوا : سبحانك ما عبدناك حق عبادتك . ثم أخرج من وجه آخر عن
nindex.php?page=showalam&ids=16556عدي بن أرطاة عن رجل من الصحابة - رضي الله عنهم - أن رسول الله صلى
[ ص: 249 ] عليه وسلم قال "
إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافة ما عندهم ، ملك ما تقطر دمعة من عينه إلا وقعت ملكا يسبح ، وملائكة سجودا منذ خلق الله السماوات والأرض لا يرفعون رءوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم فينظرون إليه قالوا : سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك " انتهى .
والحق الذي لا مرية فيه أنهم يرونه تعالى ، بل ومؤمنو الجن ، إما في الموقف فجزما مع سائر المؤمنين ، وإما في الجنة ، ففي بعض الأوقات على ما يظهر ، بل الظاهر أنهم يرونه إلا أنهم دون مؤمني الإنس في الرؤية في كل جمعة ، والحاصل أن
رؤية الرب جل جلاله في الموقف حاصلة حتى لمنافقي هذه الأمة على الأصح ، وأما الرؤيا في الجنة فأجمع أهل السنة أنها حاصلة للأنبياء والرسل والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة ، واختلف في غيرهم ، وقد جزم الحافظ
ابن رجب في اللطائف بأن كل يوم عيد للمسلمين في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ، ويتجلى لهم فيه فينظرون إليه ، فما أعطاهم شيئا هو أحب إليهم من ذلك ، وهو الزيادة التي قال الله تعالى فيها (
للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ) ويوم الجمعة في الجنة يدعى يوم المزيد ،
[ ص: 250 ] ويوم الفطر والأضحى يجتمع أهل الجنة فيها . قال الحافظ
ابن رجب في اللطائف : روي أنه يشارك النساء الرجال فيهما كما كن يشهدن العيدين مع الرجال دون الجمعة ، قال : فهذا لعموم أهل الجنة ، فأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون فيه ربهم كل يوم مرتين بكرة وعشيا ، لأن الخواص كانت أيام الدنيا كلها لهم أعيادا ، فصارت أيامهم في الآخرة كلها أعيادا ، قال
الحسن - رحمه الله تعالى : كل يوم لا يعصى الله فيه فهو عيد ، فاليوم الذي يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره وشكره فهو له عيد . انتهى ملخصا .
وفي التذكرة
للقرطبي : إن الناس يرون ربهم في الموقف ثم يحجبون إلى أن لا يبقى في النار ممن يدخل الجنة أحد ، فيؤذن لهم فيرونه في الجنة ، ثم لا يحجبون بعد ذلك أصلا ، ولا في حال تمتعاتهم ، وقد قيل : إن الكفار كالمنافقين يرونه تعالى ثم يحجبون عنه فتكون الحجبة حسرة عليهم ، وخص
النووي الخلاف بالمنافق ، وأما الكافر غير المنافق فلا يراه تعالى اتفاقا ، كما لا يراه غير العقلاء من سائر الحيوانات ، والله تعالى أعلم .