( الثاني ) : اختلف في المراد من قوله تعالى (
فكان قاب قوسين أو أدنى ) أي حيث الوتر من القوس ، قاله
مجاهد ، وقال
أبو عبيدة : قاب قوسين أي مقدار قوسين أو أدنى أو أقرب ، والقاب ما بين القبة والسية من القوس ، قال
الواحدي : هذا قول الجمهور من المفسرين أن المراد بالقوس التي يرمى بها . قال : وقيل : المراد بها الذراع ؛ لأنه يقاس بها الشيء . قال
الحافظ ابن حجر في فتح الباري : وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح ، فقد أخرج
ابن مردويه بإسناد صحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : القاب القدر ، والقوسين الذراعان . ويؤيده أنه لو كان المراد به القوس التي يرمى بها لم يمثل بذلك ليحتاج إلى التثنية فكان يقال مثلا : قاب رمح أو نحو ذلك ، وقد قيل أنه على القلب ، والمراد فكان قابي قوس ؛ لأن القاب ما بين المقبض إلى السية ، فلكل قوس قابان بالنسبة إلى خالفته . وقوله : أو أدنى أي : أقرب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : خاطب الله العرب بما ألفوا ، والمعنى : فيما تقدرون أنتم ، والله تعالى عالم بالأشياء على ما هي عليه لا تردد عنده ، وقيل : أو بمعنى بل ، والتقدير بل هو أقرب من القدر المذكور ، وسية القوس هي الفرضة التي يوضع فيها الوتر ، والمراد به
جبريل عليه السلام . قال
الحافظ ابن كثير : هذا هو الصحيح في التفسير كما دل عليه كلام الصحابة - رضي الله عنهم .
[ ص: 286 ] وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
مسروق قال : قلت
لعائشة رضي الله عنها (
ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى ) قالت ذاك
جبريل . قال المحقق
ابن القيم : لأن
جبريل هو الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله (
ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى ) هكذا فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح
لعائشة ، قالت
عائشة - رضي الله عنها :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1026907سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن هذه الآية فقال : ذلك جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين . رواه
مسلم .
قال : ولفظ القرآن لا يدل على غير ذلك ، ثم ساق سبعة وجوه دالة على ذلك ، قال : وأما ما وقع في
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من رواية
شريك عن
أنس ودنا للجبار رب العزة ، فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى ، فقد تكلم الناس فيه ، وقالوا : إن
شريكا غلط فيه وذكر فيه أمورا منكرة ، لكن قال المحقق أن الدنو والتدلي الذي في حديث
شريك غير الذي في الآية ، ولذا قال
الرازي في تفسيره : فكان قاب قوسين أي : فكان بين
جبريل ومحمد - صلى الله عليه وسلم - مقدار قوسين أو أقل ، وهذا على استعمال العرب وعادتهم ، فإن الأميرين منهم أو الكبيرين إذا اصطلحا وتعاقدا أخرجا بقوسيهما ، فجعل كل واحد منهما قوسه بطرف قوس صاحبه ، ومن دونهما من الرعية يكون كفه بكف صاحبه فيمدان باعيهما كذلك فسمي مبايعة . انتهى .
وقوله : أو أدنى ، قال
المحقق ابن القيم : أو هنا ليست للشك بل لتحقيق قدر المسافة فإنها لا تزيد على قوسين البتة كما قال تعالى (
وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون ) تحقيقا لهذا العدد ، وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف رجلا واحدا ، ونظيره قوله تعالى (
ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها ، قال : وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل " أو " في هذا الموضع بمعنى بل ، ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرائي ، ومن قول من جعلها بمعنى الواو فتأمله . انتهى .