( فإنه إمام أهل الأثر فمن نحا منحاه فهو الأثري )
( فإنه ) أي
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد - رضي الله عنه - ( إمام ) وقدوة ، ( أهل ) أي أصحاب ( الأثر ) ، يعني الذين إنما يأخذون عقيدتهم من المأثور عن الله - جل شأنه - في كتابه ، أو في سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ما ثبت وصح عن السلف الصالح من الصحابة الكرام ، والتابعين الفخام ، دون زبالات أهل الأهواء والبدع ، ونخالات أصحاب الآراء والبشع ، ( فمن ) أي : أي إنسان من هذه الأمة ، ( نحا ) أي : قصد ويمم ، ( منحاه ) أي : مقصده ومذهبه ، وسار بسيرته من اتباع الأخبار واقتفاء الآثار ، ( فهو ) أي : ذلك الذاهب مذهب الإمام
أحمد ، ( الأثري ) أي : المنسوب إلى العقيدة الأثرية ،
والفرقة السلفية المرضية .
ويعرف أيضا بمذهب السلف ، وهو مذهب سلف الأمة وجميع الأئمة المعتبرين المقلدين في أحكام الدين ، وقد قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني ، وهو
شيخ الإمام أحمد وشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وشيخ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري وغيرهم : اتخذت
أحمد إماما فيما بيني وبين الله - تعالى ، وقال : إذا أفتاني
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل لم أبال إذا لقيت ربي كيف كان ، وقال :
أحمد سيدنا ، حفظ الله
أحمد ، هو اليوم حجة الله على خلقه ، وقال : إن الله - تعالى - أعز هذا الدين برجلين لا ثالث لهما :
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق يوم الردة ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل يوم المحنة . وقد قال
قتيبة وأبو حاتم : إذا رأيت الرجل يحب الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13484ابن ماكولا : الإمام
أحمد هو إمام النقل ، وعلم الزهد والورع . وقال غير واحد من أئمة الدين : الإمام
أحمد إمام
أهل السنة . وفي قصيدة
إسماعيل بن فلان الترمذي :
[ ص: 65 ] لعمرك ما يهوى لأحمد نكبة من الناس إلا ناقص العقل معور
هو المحنة اليوم الذي يبتلى به فيعتبر السني فينا ويسبر
فقا أعين المراق فعل nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل وأخرس من يبغي العيوب ويحفر
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14189أبو مزاحم الخاقاني :
لقد صار في الآفاق أحمد محنة وأمر الورى فيها فليس بمشكل
وقال
ابن أعين - رحمه الله تعالى :
أضحى nindex.php?page=showalam&ids=12251ابن حنبل حجة مبرورة وبحب أحمد يعرف المتنسك
وإذا رأيت لأحمد متنقصا فاعلم بأن ستوره ستهتك
وعلى كل حال ،
الإمام أحمد هو إمام أهل السنة بلا محال ، فهو المبيض وجه السنة ، النافض عن وجهها غبار البدعة ، فكل سني أثري فهو إمامه . فإن قلت : إذا كان
مذهب السلف هو ما عليه الأئمة جميعا تبعا للتابعين والصحابة الكرام - رضوان الله عليهم أجمعين ، وهو الذي كان عليه سيد المرسلين وخاتم النبيين ، فكيف ينسب هذا المذهب للإمام
أحمد دون من تقدمه من أئمة الدين ؟ قلت : الأمر كما ذكرت ، والحق كما استخبرت ، وهذه المقالة هي الشريعة الغراء ، ومقالة أهل الفرقة الناجية بلا محالة ، ولا يرتاب ذو لب لبيب ، ورأي صحيح مصيب ، أنها هي التي كان عليها النبي الحبيب - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أهل الإصابة والتصويب ، والتابعين لهم بإحسان من أهل التفصيل والتبويب . ولكن لما كان في المائة الثالثة اشرأبت الفتن ، واستعلنت البدع والمحن ، وقامت دولة أهل الابتداع على
[ ص: 66 ] ساق ، وأعلن بقواعد
أهل الاعتزال ذوو الضغائن والنفاق ، وساعدهم على ذلك أئمة الجور والخلفاء الفساق ، قام الإمام
أحمد كالنمر الهصور ، لا ، بل كالبحر الطامي والرئبال الجسور ، فرد كيدهم في نحورهم ، وألقى بلابلهم في صدورهم ، فقمع مقالتهم وزيفها عليهم ، وبين فسادهم بكل حال ، فردهم على أعقابهم خائبين لم ينالوا خيرا ، وكفى الله المؤمنين القتال ، فلا جرم نسب المذهب إليه ; لأنه المقصود إذ ذاك بالذات والمعول عليه ، فإنه هو الذي انتصر للحق ونصره ، وشدخ رأس أهل البدع وهصره ، وبين الصحيح من الفاسد ، والغث من السمين ، والحق من الباطل ، والصدق من المين .
فلما كان الإمام
أحمد - رضي الله تعالى عنه - هو الذي فل مضاربهم ، وبين معايبهم ، وكشف عن زيغهم ، ودحض تلوينهم وتحريفهم ، وانتصر لما كان عليه السلف من الإثبات بلا تمثيل ، ومن التنزيه بلا تعطيل ، ومرور الآيات المتشابهات بلا تأويل ، ودعا إلى هذه المقالة ، وأقام عليها كل برهان ودلالة ، نسبت له المقالة ، وصار إمام أهلها في كل حالة ، وألف
كتابه في الرد على الجهمية والزنادقة ، وهذا الكتاب رواه عنه الخلال من طريق ابنه
عبد الله ، وذكره كله في كتاب السنة الذي جمع فيه نصوص الإمام
أحمد وكلامه ، وعلى منوال كتاب الخلال " السنة " ، جمع
البيهقي كتابه الذي سماه " جامع النصوص " من كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
وخطبة كتاب الإمام
أحمد " الرد على
الجهمية " : الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل ، بقايا من أهل العلم ، يدعون من ضل إلى الهدى ، ويصبرون منهم على الأذى ، يحيون بكتاب الله الموتى ، ويبصرون بنور الله أهل العمى ، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه ، وكم من ضال تائه هدوه ، فما أحسن أثرهم على الناس ، وما أقبح أثر الناس عليهم ، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة ، وأطلقوا عنان الفتنة ، فهم مختلفون في الكتاب ، مخالفون للكتاب ، مجمعون على مخالفة الكتاب ، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب
[ ص: 67 ] الله بغير علم ، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، ويخدعون الجهال بما يشبهون عليهم ، فنعوذ بالله من فتن المضلين " . ثم ساق الكتاب ، قد قرأناه ورويناه عن علماء معتبرين ، وفضلاء راسخين ، والله ولي المتقين .
وقد ذكر كتاب الإمام
أحمد هذا أئمة المذهب ، قال
الخلال : كتبت هذا الكتاب من خط
عبد الله ، وكتبه
عبد الله من خط أبيه الإمام
أحمد - رضي الله عنه . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى في كتابه " إبطال التأويل " بما نقله منه عن الإمام
أحمد . وذكر
ابن عقيل في كتابه بعض ما فيه عن الإمام
أحمد ، ونقل منه أصحابه قديما وحديثا ، ونقل منه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13933الحافظ البيهقي ، وعزاه إلى الإمام
أحمد ، وصحح هذا الكتاب
شيخ الإسلام ابن تيمية عن الإمام
أحمد ، واعتمده الإمام المحقق
ابن القيم في جل تآليفه ، وصححه في كتابه " الجيوش الإسلامية " ، وقال : لم يسمع من أحد من متقدمي أصحاب الإمام
أحمد ولا متأخريهم طعن فيه ، والله أعلم .
فلما انتصر الإمام
أحمد - رضي الله عنه - للسنة السنية ، والفرقة الناجية المرضية ، وقمع أهل البدع ، وزيف مقالتهم ، وأدحض بدعتهم ، وأظهر ضلالتهم ، صار هو علم السنة وإمامها ، وصاحبها وخليلها ومقدامها ، حتى إن
الإمام أبا الحسن علي بن إسماعيل الأشعري إمام الطائفة الأشعرية انتسب إلى الإمام أحمد ، ورأى اتباعه على عقيدته هو المنهج الأحمد ، قال في كتابه " الإبانة في أصول الديانة " لما أنكر قول
المعتزلة والقدرية والجهمية والحرورية والرافضة والمرجئة : فإن قال قائل : " فعرفونا قولكم الذي به تقولون ، وديانتكم التي بها تدينون ، قيل له : قولنا الذي به نقول ، وديانتنا التي بها ندين ، التمسك بكتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان عليه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - نضر الله وجهه ، ورفع درجته ، وأجزل مثوبته - قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون ; لأنه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل ، الذي أبان الله به الحق عند ظهور الضلال ، وأوضح به المنهاج ، وقمع به بدع المبتدعين ، وزيغ الزائغين ، وشك الشاكين ، فرحمة الله عليه
[ ص: 68 ] من إمام مقدم ، وكبير مفهم ، وعلى جميع أئمة المسلمين " . انتهى .
ولد سيدنا وقدوتنا وإمامنا
الإمام أحمد - رضي الله عنه - في شهر ربيع الأول ، سنة أربع وستين ومائة
ببغداد ، وتوفي نهار الجمعة من شهر ربيع الأول لاثنتي عشرة ليلة خلت منه سنة إحدى وأربعين ومائتين ، وغسله
المروذي ، وأدرج في ثلاث لفائف ، وحزر من صلى عليه بمائة ألف ألف ، وعلى السور ستون ألفا سوى من كان في السفن ، وكان الإمام
أحمد - رضي الله عنه - يقول : قولوا لأهل البدع : بيننا وبينكم يوم الجنائز . وأسلم من
اليهود والنصارى والمجوس يوم موته عشرون ألفا ، وناحت الجن عليه ، وهتفت بموته الهواتف . قال
أبو زرعة : كان يقال عندنا
بخراسان : الجن نعت
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل قبل موته ، وسمعوا قائلا : مات رجل
بالعراق فذهبت الجن كلها تصلي عليه إلا المردة . وقد رثي بقصائد جمة ، ودفن
ببغداد بباب حرب .