( ( ومستحيل الذات غير ممكن وضده ما جاز فاسمع زكني ) )
( ( والضد والخلاف والنقيض والمثل والغيران مستفيض ) )
( ( وكل هذا علمه محقق فلم نطل به ولم ننمق ) )
( ( ومستحيل الذات غير ممكن ) ) أي المستحيل لذاته غير ممكن ولا مقدور ، إذ لو تعلقت به القدرة لصار ممكنا ، لأنها لا تتعلق إلا بالممكنات كما مر ، وضده أي ضد المستحيل ( ( ما ) ) أي الذي ( ( جاز ) ) وجوده وعدمه ، والحاصل أن الواجب ما لا يتصور في العقل عدمه ، والمستحيل ما لا يتصور في العقل وجوده ، والممكن ما جاز وجوده وعدمه ، يعني قبل إيجاده . وتقدم الكلام عليه في الباب الأول ، ( ( فاسمع زكني ) ) أي علمي وفهمي وتفرسي في اختصار الكلام مع تمام الأحكام ، يقال زكن كفرح وأزكنه علمه وفهمه وتفرسه وظنه ، أو الزكن ظن بمنزلة اليقين عندك أو طرف من الظن ، وأزكنه أعلمه وأفهمه والإزكان أن تزكن شيئا بالظن فيصيب . ثم أشار إلى بعض ما ذكره
النجم ابن حمدان في آخر نهاية المبتدئين فقال : ( ( والضد ) ) يعني مع ضده ، فالضدان هما ما امتنع اجتماعهما في محل واحد في زمن واحد كالسواد والبياض . والحركة والسكون ، والاجتماع
[ ص: 449 ] والافتراق ، إذ الشيء الواحد لا يكون أسود أبيض في زمن واحد ، ولا يكون ساكنا متحركا في زمن واحد . قال في نهاية المبتدئين : وقيل الضدان الوصفان الوجوديان اللذان يمتنع اجتماعهما لذاتهما كالسواد والبياض . وقيل : كل ذاتين يتعاقبان على موضع واحد يستحيل اجتماعهما فيه بينهما غاية الخلاف والبعد . انتهى . وهي عبارات متقاربة المعنى في الجملة .
( ( والخلاف ) ) أي الخلافان يجتمعان يرتفعان كالحركة والبياض في الجسم الواحد ( ( والنقيضـ ) ) ـان لا يجتمعان ولا يرتفعان كالوجود والعدم المضافين إلى معين واحد ، ( ( والمثلـ ) ) ـان ما قام أحدهما مقام الآخر وسد مسده وعمل عمله ، والجواهر متماثلة ، وقيل : هما اللذان يشتركان في الصفة اللازمة فهما لا يجتمعان ويرتفعان لتساوي الحقيقة كبياض وبياض ، وأما المتشابهان فهما اللذان يتقاربان إما في الصورة وإما في استحقاق المعنى المجوز عليهما ، أو في السبب الذي تعلق به وجودهما ونحو ذلك مما تقع به المشابهة ، والمتشابهان من وجه قد يختلفان في آخر والمثلان لا يختلفان من وجه ، والمختلفان قد يختلفان من وجه ويشتبهان من وجه آخر ، ( ( والغيران ) ) هما المختلفان وقيل : هما الموجودان اللذان يمكن أن يفارق أحدهما الآخر بوجه ، فالمتفقان يقربان من المثلين وهما في التقارب على العكس من المختلفين ، وفيهما زيادة على أصح حد المتشابهين لأنه يكون التفاوت بالوصف كما في المتشابهين ، وقد يكون التفاوت بالزمان والمكان وليس ذلك في المتشابهين ، وقد يكون في المتماثلين تفاضل من وجه مثل الحركتين تكون إحداهما أشد من الأخرى ، وكذلك يتفاوت السوادان شدة وضعفا ، وكل علم ذلك معلوم عند أهل هذا الفن وعند المناطقة ، ( ( مستفيض ) ) استفاضة ظاهرة لا تخفى على أحد له اعتناء بتحصيل هذه العلوم العقلية .
( تنبيه )
قد يتعذر ارتفاع الخلافين لخصوص حقيقة كونهما خلافين كذات واجب الوجود تعالى وتقدس مع صفاته ، وقد يتعذر افتراقهما ( كالعشرة مع الزوجية خلافان ويستحيل افتراقهما ) ، والخمسة مع الفردية ، والجوهر مع الألوان ، ونحو هذا وهو كثير لكن لا تنافي بين إمكان
[ ص: 450 ] الافتراق والارتفاع بالنسبة إلى الذات وتعذر الارتفاع بالنسبة إلى أمر خارجي عنها ، وهذا الذي ذكرناه كله بالنسبة إلى ممكن الوجود ، أما الله تعالى وصفاته فلا يقال بإمكان رفع شيء منها لتعذر رفعه بسبب وجوب وجوده ، وقد قدمنا في بحث الصفات ما يرشد لهذا .
( ( وكل هذا ) ) المذكور وأضعافه مما لم يذكر ( ( علمه ) ) مشهور عند أرباب الفن ( ( محقق ) ) ، وحيث كان كذلك فلنقتصر على هذا المقدار الذي ذكرناه ( ( فلم نطل به ) ) أي بذكره ، ( ( ولم ننمق ) ) من التنميق وهو التحسين والتزيين ، قال في القاموس : نمق الكتاب كتبه ونمقه تنميقا حسنه وزينه بالكتابة ، ويقال للشيء المروح : فيه نمقة - محركة - . إذ المقصود إنما هو ذكر أمهات مسائل العقائد السلفية ونظم فرائد الأصول الأثرية ، وقد ذكرنا منها ما لعله يكفي المبتدي ويشفي المنتهي ويكمد المعتدي ، وبالله التوفيق ، ثم حمدنا الله تعالى عودا على بدء فقلنا :