فوائد
نقدمها أمام المقصود ، لا يستغنى عن معرفتها في هذا الفن ; ليكون الطالب لنيل هذه المطالب على بصيرة :
( الأولى ) :
لا بد لكل طالب علم أن يتصوره إما بحده أو رسمه ; ليكون على بصيرة في طلبه ، وأن يعرف موضوعه ليمتاز عنده
[ ص: 70 ] عما سواه مزيد امتياز ، فإن العلوم إنما يتميز بعضها عن بعض بامتياز الموضوعات ، وأن يصدق بغاية ما له ، وإلا كان طلبه واجتهاده عبثا ، ولا بد أن يكون معتدا بها بالنظر لمشقة التحصيل ، وإلا فربما فتر جده ، وأن تكون مترتبة على ذلك الشيء المطلوب ، وإلا فربما زال اعتقادها بعد الشروع فيه ، فيصير سعيه في تحصيله عبثا في نظره ، فإذا علمت هذا ، ( فحد ) هذا العلم المسمى بأصول الدين وبعلم العقائد ، وبعلم التوحيد ، وبعلم الكلام ، العلم بالعقائد الدينية عن الأدلة اليقينية ، أي العلم بالقواعد الشرعية الاعتقادية المكتسبة من أدلتها اليقينية .
والمراد بالعقائد الدينية المنسوبة إلى دين نبينا
محمد - صلى الله عليه وسلم - سواء توقفت على الشرع كالسمعيات أم لا ، وسواء كانت من الدين في الواقع ككلام أهل الحق أو لا ككلام المخالف ، واعتبر في أدلتها اليقين ; لأنه لا عبرة بالظن في هذا العلم بل في العمليات ، وخرج عن التعريف العلم بغير الشرعيات وبالشرعيات الفرعية وعلم الله - تعالى - والملك ، وعلم الرسول - عليه الصلاة والسلام - بالاعتقاديات ، ودخل علم علماء الصحابة بذلك ، فإنه كلام وأصول وعقائد ، وإن لم يكن يسمى في ذلك الزمان بهذا الاسم حيث كان متعلقا بجميع العقائد بقدر الطاقة البشرية ، مكتسبا من النظر في الأدلة اليقينية ، أو كان ملكة تتعلق بها بأن يكون عندهم من المآخذ والشرائط ما يكفيهم في استحضار العقائد على ما هو المراد بقولنا : العلم بالعقائد من الأدلة ، وموضوع كل علم شرعيا كان أو عقليا ، ما يبحث فيه عن عوارضه الذاتية ، ( فموضوع ) هذا العلم البحث عن أحوال الصانع - سبحانه - من القدم والوحدة والقدرة والإرادة ، وغيرها من صفاته وأفعاله الاختيارية ، وكذلك ما يبحث عن الجواهر والأعراض والأجسام والحدوث والافتقار والتركيب من الأجزاء ، وقبول الفناء ونحو ذلك مما لا يجوز عليه - تعالى ، ( وغايته ) أن يصير الإيمان والتصديق بالأحكام الشرعية متقنا محكما ، لا تزلزله شبه المبطلين ، فيرتقي من حضيض التقليد إلى ذروة الإيقان بسبب التمكن من الاستدلال ، ومن فوائده أيضا إرشاد الطالبين ، وإلزام المعاندين بإقامة الحجج والبراهين ، ونفض غبار شبه
[ ص: 71 ] الخصوم عن قواعد الدين ، وصحة النية والاعتقادات الإسلامية التي يقع بها العمل في حيز القبول ، ( وثمرة ) جميع ذلك الفوز بسعادة الدارين ، والظفر بما هو كمال في الكونين . ففي الدنيا انتظام أمر المعاش بالمحافظة على العدل والمعاملة التي يحتاج إليها في إبقاء النوع الإنساني على وجه لا يؤدي إلى الفساد ، وفي الآخرة النجاة من العذاب المرتب على الكفر وسوء الاعتقاد ، ( ومسائله ) القضايا النظرية الشرعية الاعتقادية ، ( واستمداده ) من الكتاب والسنة والإجماع والنظر الصحيح .