هذا هو المراد من الآيات التي ذكر فيها الاختلاف الحاصل بين الخلق ، أن هذا الاختلاف الواقع بينهم على أوجه :
أحدها :
الاختلاف في أصل النحلة
وهو قول جماعة من المفسرين ، منهم
عطاء قال :
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم قال قال : اليهود والنصارى والمجوس ، والحنيفية ـ وهم الذين رحم ربك ـ الحنيفية ، خرجه
ابن وهب وهو الذي يظهر لبادي الرأي في الآية المذكورة .
وأصل هذا الاختلاف هو في التوحيد والتوجه للواحد الحق سبحانه ، فإن الناس في عامة الأمر لم يختلفوا في أن لهم مدبرا يدبرهم وخالقا
[ ص: 672 ] أوجدهم ، إلا أنهم اختلفوا في تعيينه على آراء مختلفة . من قائل بالاثنين وبالخمسة ، وبالطبيعة أو الدهر ، أو بالكواكب ، إلى أن قالوا بالآدميين والشجر والحجارة وما ينحتون بأيديهم .
ومنهم من أقر بواجب الوجود الحق لكن على آراء مختلفة أيضا . إلى أن بعث الله الأنبياء مبينين لأممهم حق ما اختلفوا فيه من باطله ، فعرفوا بالحق على ما ينبغي ، ونزهوا رب الأرباب عما لا يليق بجلاله من نسبة الشركاء والأنداد ، وإضافة الصاحبة والأولاد ، فأقر بذلك من أقر به ، وهم الداخلون تحت مقتضى قوله :
إلا من رحم ربك وأنكر من أنكر ، فصار إلى مقتضى قوله :
وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين وإنما دخل الأولون تحت وصف الرحمة لأنهم خرجوا عن وصف الاختلاف إلى وصف الوفاق والألفة ، وهو قوله :
واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وهو منقول عن جماعة من المفسرين .
وخرج
ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز أنه قال في قوله :
ولذلك خلقهم خلق أهل الرحمة أن لا يختلفوا . وهو معنى ما نقل عن
مالك و
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس في جامعه ، وبقي الآخرون على وصف الاختلاف ، إذ خالفوا الحق الصريح ، ونبذوا الدين الصحيح .
وعن
مالك أيضا قال : الذين رحمهم لم يختلفوا . وقول الله تعالى :
كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين [ ص: 673 ] إلى قوله :
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه ومعنى ذلك : كان الناس أمة واحدة فاختلفوا فبعث الله النبيين فأخبر في الآية أنهم اختلفوا ولم يتفقوا ، فبعث النبيين ليحكموا بينهم فيما اختلفوا فيه من الحق ، وأن الذين آمنوا هداهم الله للحق من ذلك الاختلاف .
وفي الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005533نحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم ، هذا يومهم الذي فرض الله عليهم ، فاختلفوا فيه فهدانا الله له ، فالناس لنا فيه تبع ، فاليهود غدا والنصارى بعد غد .
وخرج
ابن وهب عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم في قوله تعالى :
كان الناس أمة واحدة فهذا يوم أخذ ميثاقهم لم يكونوا أمة واحدة غير ذلك اليوم .
فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين إلى قوله :
فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه .
واختلفوا في يوم الجمعة فاتخذ اليهود يوم السبت واتخذ النصارى يوم الأحد فهدى الله أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة .
واختلفوا في القبلة فاستقبلت النصارى المشرق ، واستقبلت اليهود
بيت المقدس ، وهدى الله أمة
محمد صلى الله عليه وسلم للقبلة .
واختلفوا في الصلاة فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد
[ ص: 674 ] ولا يركع ومنهم من يصلي ولا يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، وهدى الله أمة
محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك .
واختلفوا في
إبراهيم عليه السلام ، فقالت اليهود كان يهوديا ، وقالت النصارى نصرانيا ، وجعله الله حنيفا مسلما ، فهدى الله أمة
محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك .
واختلفوا في
عيسى عليه السلام فكفرت به اليهود وقالوا لأمه بهتانا عظيما وجعلته النصارى إلها وولدا ، وجعله الله روحه وكلمته ، فهدى الله أمة
محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك .
والثاني ثم إن هؤلاء المتفقين قد يعرض لهم الاختلاف بحسب القصد الثاني لا القصد الأول ، فإن
الله تعالى حكيم بحكمته أن تكون فروع هذه الملة قابلة للأنظار ومجالا للظنون ، وقد ثبت عند النظار أن النظريات لا يمكن الاتفاق فيها عادة ، فالظنيات عريقة في إمكان الاختلاف ، لكن في الفروع دون الأصول وفي الجزئيات دون الكليات ، فلذلك لا يضر هذا الاختلاف .
وقد نقل المفسرون عن
الحسن في هذه الآية أنه قال : أما أهل رحمة الله فإنهم لا يختلفون اختلافا يضرهم . يعني لأنه في مسائل الاجتهاد التي لا نص فيها بقطع العذر ، بل لهم فيه أعظم العذر ، ومع أن الشارع لما علم أن هذا النوع من الاختلاف واقع ،
[ ص: 675 ] أتى فيه بأصل يرجع إليه ، وهو قول الله تعالى :
فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول الآية ، فكل اختلاف من هذا القبيل حكم الله فيه أن يرد إلى الله ، وذلك رده إلى كتابه ، وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم . وذلك رده إليه إذا كان حيا وإلى سنته بعد موته ، وكذلك فعل العلماء ـ رضي الله عنهم ـ .
إلا أن لقائل أن يقول : هل هم داخلون تحت قوله تعالى :
ولا يزالون مختلفين أم لا ؟ والجواب : أنه لا يصح أن يدخل تحت مقتضاها أهل هذا الاختلاف من أوجه .
أحدها : أن الآية اقتضت أن أهل الاختلاف المذكورين مباينون لأهل الرحمة لقوله :
ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك فإنها اقتضت قسمين : أهل الاختلاف ، والمرحومين ، فظاهر التقسيم أن أهل الرحمة ليسوا من أهل الاختلاف وإلا كان قسم الشيء قسيما له ، ولم يستقم معنى الاستثناء .
والثاني : أنه قال فيها :
ولا يزالون مختلفين فظاهر هذا أن وصف الاختلاف لازم لهم ، حتى أطلق عليهم لفظ اسم الفاعل المشعر بالثبوت ، وأهل الرحمة مبرءون من ذلك ، لأن وصف الرحمة ينافي الثبوت على المخالفة ، بل إن خالف أحدهم في مسألة فإنما يخالف فيها تحريا لقصد الشارع فيها ، حتى إذا تبين له الخطأ فيها راجع نفسه وتلافى
[ ص: 676 ] أمره ، فخلافه في المسألة بالعرض لا بالقصد الأول ، فلم يكن وصف الاختلاف لازما ولا ثابتا ، فكان التعبير عنه بالفعل الذي يقتضي العلاج والانقطاع أليق في الموضع .
والثالث : أنا نقطع بأن
الخلاف في مسائل الاجتهاد واقع ممن حصل له محض الرحمة ، وهم الصحابة ومن اتبعهم بإحسان ـ رضي الله عنهم ـ ، بحيث لا يصح إدخالهم في قسم المختلفين بوجه ، فلو كان المخالف منهم في بعض المسائل معدودا من أهل الاختلاف ـ ولو بوجه ما ـ لم يصح إطلاق القول في حقه : أنه من أهل الرحمة . وذلك باطل بإجماع أهل السنة .
والرابع : أن جماعة من السلف الصالح جعلوا
اختلاف الأمة في الفروع ضربا من ضروب الرحمة ، وإذا كان من جملة الرحمة ، فلا يمكن أن يكون صاحبه خارجا من قسم أهل الرحمة .
وبيان كون الاختلاف المذكور رحمة ما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد قال : لقد نفع الله باختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العمل ، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة . وعن
ضمرة بن رجاء قال : اجتمع
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم بن محمد فجعلا يتذاكران الحديث ـ قال ـ فجعل
عمر يجيء بالشيء يخالف فيه
القاسم ـ قال ـ وجعل
القاسم يشق ذلك عليه حتى يتبين ذلك فيه فقال له
عمر : لا تفعل ! فما يسرني باختلافهم حمر النعم .
[ ص: 677 ] وروى
ابن وهب عن
القاسم أيضا قال : لقد أعجبني قول
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : ما أحب أن أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم لا يختلفون ، لأنه لو كان قولا واحدا لكان الناس في ضيق ، وإنهم أئمة يقتدى بهم ، فلو أخذ رجل بقول أحدهم كان سعة .
ومعنى هذا أنهم فتحوا للناس
باب الاجتهاد وجواز الاختلاف فيه ، لأنهم لو لم يفتحوه لكان المجتهدون في ضيق ، لأن مجال الاجتهاد ومجالات الظنون لا تتفق عادة ـ كما تقدم ـ فيصير أهل الاجتهاد مع تكليفهم باتباع ما غلب على ظنونهم مكلفين باتباع خلافه ، وهو نوع من تكليف ما لا يطاق ، وذلك من أعظم الضيق . فوسع الله على الأمة بوجود الخلاف الفروعي فيهم ، فكان فتح باب للأمة للدخول في هذه الرحمة ، فكيف لا يدخلون في قسم من ( رحم ربك ) ؟ ! فاختلافهم في الفروع كاتفاقهم فيها ، والحمد لله .
وبين هذين الطريقين واسطة أدنى من الرتبة الأولى وأعلى من الرتبة الثانية ، وهي أن يقع الاتفاق في أصل الدين ، ويقع
الاختلاف في بعض قواعده الكلية ، وهو المؤدي إلى التفرق شيعا .
فيمكن أن تكون الآية تنتظم هذا القسم من الاختلاف ، ولذلك صح عنه صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005534أن أمته تفترق على بضع وسبعين فرقة ، وأخبر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005535أن هذه الأمة تتبع سنن من كان قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع ، وشمل ذلك
الاختلاف الواقع في الأمم قبلنا ، ويرشحه وصف أهل البدع بالضلالة وإيعادهم بالنار ، وذلك بعيد من
[ ص: 678 ] تمام الرحمة .
ولقد كان عليه الصلاة والسلام حريصا على ألفتنا وهدايتنا ، حتى ثبت من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال : لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال وفي البيت رجال فيهم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنهم ـ ـ فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005536هلم أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ، فقال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع ، وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله ، واختلف أهل البيت واختصموا فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا لن تضلوا بعده ومنهم من يقول كما قال عمر ، فلما كثر اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : قوموا عني فكان nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقول : الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .
فكان ذلك ـ والله أعلم ـ وحيا أوحى الله إليه أنه إن كتب لهم ذلك الكتاب لم يضلوا بعده البتة ، فتخرج الأمة عن مقتضى قوله :
ولا يزالون مختلفين بدخولها تحت قوله :
إلا من رحم ربك فأبى الله إلا ما سبق به علمه من اختلافهم كما اختلف غيرهم . رضينا بقضاء الله وقدره ، ونسأله أن يثبتنا على الكتاب والسنة ، ويميتنا على ذلك بفضله .
وقد ذهب جماعة من المفسرين إلى أن المراد بالمختلفين في الآية أهل البدع ، وأن من رحم ربك أهل السنة ،
[ ص: 679 ] ولكن لهذا الكتاب أصل يرجع إلى سابق القدر لا مطلقا ، بل مع إنزال القرآن محتمل العبارة للتأويل ، وهذا لا بد من بسطه .
فاعلموا أن الاختلاف في بعض القواعد الكلية لا يقع في العاديات الجارية بين المتبحرين في علم الشريعة الخائضين في لجتها العظمى ، العالمين بمواردها ومصادرها .
والدليل على ذلك اتفاق العصر الأول وعامة العصر الثاني على ذلك ، وإنما وقع اختلافهم في القسم المفروغ منه آنفا ، بل كل على الوصف المذكور وقع بعد ذلك فله أسباب ثلاثة قد تجتمع وقد تفترق :
أحدها : أن يعتقد الإنسان في نفسه أو يعتقد فيه أنه من أهل العلم والاجتهاد في الدين ـ ولم يبلغ تلك الدرجة ـ فيعمل على ذلك ، ويعد رأيه رأيا وخلافه خلافا ، ولكن تارة يكون ذلك في جزئي وفرع من الفروع ، وتارة يكون في كل أصل من أصول الدين ـ كان من الأصول الاعتقادية أو من الأصول العملية ـ فتارة آخذا ببعض جزئيات الشريعة في هدم كلياتها ، حتى يصير منها ما ظهر له بادي رأيه من غير إحاطة بمعانيها ولا رسوخ في فهم مقاصدها ، وهذا هو المبتدع ، وعليه نبه الحديث الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005476لا يقبض الله العلم انتزاعا ينتزعه من الناس ، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ، حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالا فسئلوا [ ص: 680 ] فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا .
قال بعض أهل العلم : تقدير هذا الحديث يدل على أنه لا يؤتى الناس قط من قبل علمائهم ، وإنما يؤتون من قبل أنه إذا مات علماؤهم أفتى من ليس بعالم . فيؤتى الناس من قبله ، وقد صرف هذا المعنى تصريفا ، فقيل : ما خان أمين قط ولكنه ائتمن غير أمين فخان . قال ونحن نقول : ما ابتدع عالم قط ، ولكنه استفتي من ليس بعالم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس : بكى
ربيعة يوما بكاء شديدا ، فقيل له : مصيبة نزلت بك ؟ فقال لا ! ولكن استفتي من لا علم عنده .
وفي
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005537قبل الساعة سنون خداعا ، يصدق فيهن الكاذب ، ويكذب فيهن الصادق ، ويخون فيهن الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وينطق فيهن الرويبضة [ ص: 681 ] قالوا : هو الرجل التافة الحقير ينطق في أمور العامة ، كأنه ليس بأهل أن يتكلم في أمور العامة فيتكلم .
[ ص: 682 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ قال : قد علمت متى يهلك الناس ! إذا جاء الفقه من قبل الصغير استعصى عليه الكبير ، وإذا جاء الفقه من قبل الكبير تابعه الصغير فاهتديا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : لا يزال الناس بخير ما أخذوا العلم من أكابرهم ، فإذا أخذوه عن أصاغرهم وشرارهم هلكوا .
واختلف العلماء فيما أراد
عمر بالصغار ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : هم أهل البدع ، وهو موافق ، لأن أهل البدع أصاغر في العلم ، ولأجل ذلك صاروا أهل بدع .
وقال
الباجي : يحتمل أن يكون الأصاغر من لا علم عنده . قال : وقد كان
عمر يستشير الصغار ، وكان القراء أهل مشاورته كهولا وشبانا . قال : ويحتمل أن يريد بالأصاغر من لا قدر له ولا حال ، ولا يكون ذلك إلا بنبذ الدين والمروءة . فأما من التزمهما فلا بد أن يسمو أمره ، ويعظم قدره .
ومما يوضح هذا التأويل ما خرجه
ابن وهب بسند مقطوع عن
الحسن قال : العامل على غير علم كالسائر على غير طريق ، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح ، فاطلبوا العلم طلبا لا يضر بترك العبادة ، فاطلبوا العبادة طلبا لا يضر بترك العلم ، فإن قوما طلبوا العبادة وتركوا العلم
[ ص: 683 ] حتى خرجوا بأسيافهم على أمة
محمد صلى الله عليه وسلم ، ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا ـ يعني
الخوارج ـ والله أعلم ، لأنهم قرؤوا القرآن ولم يتفقهوا فيه حسبما أشار إليه الحديث .
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005538يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم .
وروي عن
مكحول أنه قال : تفقه الرعاع فساد الدين والدنيا ، وتفقه السفلة فساد الدين .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14906الفريابي : كان
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري إذا رأى هؤلاء النبط يكتبون العلم تغير وجهه ، فقلت : يا
أبا عبد الله ! أراك إذا رأيت هؤلاء يكتبون العلم يشتد عليك . قال : كان العلم في العرب وفي سادات الناس ، وإذا خرج عنهم وصار إلى هؤلاء النبط والسفلة غير الدين .
وهذه الآثار أيضا إذا حملت على التأويل المتقدم اشتدت واستقامت ، لأن ظواهرها مشكلة ، ولعلك إذا استقريت أهل البدع من المتكلمين ، أو أكثرهم وجدتهم من أبناء سبايا الأمم ، ومن ليس له أصالة في اللسان العربي ، فعما قريب يفهم كتاب الله على غير وجهه ، كما أن من لم يتفقه في مقاصد الشريعة فهمها على غير وجهها .