صفحة جزء
وأما الاختلاف من جهة كون البدعة حقيقية أو إضافية :

فإن الحقيقية أعظم وزرا ، لأنها التي باشرها المنتهي بغير واسطة ، ولأنها مخالفة محضة وخروج عن السنة ظاهر ، كالقول بالقدر ، والتحسين والتقبيح ، والقول بإنكار خبر الواحد ، وإنكار الإجماع ، وإنكار تحريم الخمر ، والقول بالإمام المعصوم . . . وما أشبه ذلك .

فإذا فرضت إضافية; فمعنى الإضافية أنها مشروعة من وجه ورأي مجرد من وجه ، إذ يدخلها من جهة المخترع رأي في بعض أحوالها ، فلم تناف الأدلة من كل وجه .

هذا ، وإن كانت تجري مجرى الحقيقة ، ولكن الفرق بينهما ظاهر كما سيأتي إن شاء الله ، وبحسب ذلك الاختلاف يختلف الوزر .

ومثاله جعل المصاحف في المسجد للقراءة إثر الصلاة فيها .

قال مالك : " أول من جعل مصحفا الحجاج بن يوسف " .

[ ص: 222 ] يريد أنه أول من رتب القراءة في المصحف إثر صلاة الصبح في المسجد .

قال ابن رشد : " مثل ما يصنع عندنا إلى اليوم " .

فهذه محدثة أعني : وضعه في المسجد لأن القراءة في المسجد مشروعة في الجملة معمول بها; إلا أن تخصيص المسجد بالقراءة على ذلك الوجه هو المحدث .

ومثله وضع المصاحف في زماننا للقراءة يوم الجمعة ، وتحبيسها على ذلك القصد .

التالي السابق


الخدمات العلمية