وأما الاختلاف من جهة
كونها ظاهرة المأخذ أو مشكلة :
فلأن الظاهر عند الإقدام عليها محض مخالفة ، فإن كانت مشكلة; فليست بمحض مخالفة; لإمكان أن لا تكون بدعة ، والإقدام على المحتمل أخفض رتبة من الإقدام على الظاهر .
ولذلك عد العلماء ترك المتشابه من قبيل المندوب إليه في الجملة ، ونبه الحديث على أن ترك المتشابه لئلا يقع في الحرام ، فهو حمى له ، وأن واقع المتشابه واقع في الحرام ، وليس ترك الحرام في الجملة من قبيل المندوب ، بل من قبيل الواجب ، فكذلك حكم الفعل المشتبه في البدعة ، فالتفاوت بينهما بين .
وإن قلنا : إن ترك المتشابه من باب المندوب ، وإن مواقعته من باب المكروه; فالاختلاف أيضا واقع من هذه الجهة; فإن الإثم في المحرمة هو الظاهر ، وأما المكروهة; فلا إثم فيها في الجملة; ما لم يقترن بها ما
[ ص: 223 ] يوجبها ، كالإصرار عليها ، إذ الإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة ، فكذلك الإصرار على المكروه ، فقد يصيره صغيرة ، ولا فرق بين الصغيرة والكبيرة في مطلق التأثيم ، وإن حصل الفرق من جهة أخرى; بخلاف المكروه مع الصغيرة .
والشأن في البدع وإن كانت مكروهة ( في ) الدوام عليها وإظهارها من المقتدى بهم في مجامع الناس وفي المساجد ، فقلما تقع منهم على أصلها من الكراهية إلا ويقترن بها ما يدخلها في مطلق التأثيم; من إصرار ، أو تعليم ، أو إشاعة ، أو تعصب لها . . . . أو ما أشبه ذلك ، فلا يكاد يوجد في البدع بحسب الوقوع مكروه لا زائد فيه على الكراهية ، والله أعلم .