[ ص: 551 ] وإذا قلنا : إن
من البدع ما يكون صغيرة ، فذلك بشروط :
أحدها : أن لا يداوم عليها ، فإن الصغيرة من المعاصي لمن داوم عليها تكبر بالنسبة إليه ، لأن ذلك ناشئ عن الإصرار عليها ، والإصرار على الصغيرة يصيرها كبيرة ، ولذلك قالوا : " لا صغيرة مع إصرار ، ولا كبيرة مع استغفار " فكذلك البدعة من غير فرق ، إلا أن المعاصي من شأنها في الواقع أنها قد يصر عليها ، وقد لا يصر عليها ، وعلى ذلك ينبني طرح الشهادة وسخطة الشاهد بها أو عدمه ، بخلاف البدعة فإن شأنها في المداومة والحرص على أن لا تزال من موضعها وأن تقوم على تاركها القيامة ، وتنطلق عليه ألسنة الملامة ، ويرمى بالتسفيه والتجهيل ، وينبز بالتبديع والتضليل ، ضد ما كان عليه سلف هذه
[ ص: 552 ] الأمة ، والمقتدى بهم من الأئمة ، والدليل على ذلك الاعتبار والنقل ، فإن أهل البدع كان من شأنهم القيام بالنكير على
أهل السنة إن كان لهم عصبة ، أو لصقوا بسلطان تجري أحكامه في الناس وتنفذ أوامره في الأقطار ، ومن طالع سير المتقدمين ، وجد من ذلك ما لا يخفى .
وأما النقل ، فما ذكره السلف من أن البدعة إذا أحدثت لا تزيد إلا مضيا ، وليست كذلك المعاصي ، فقد يتوب صاحبها وينيب إلى الله ، بل قد جاء ما يشد ذلك في حديث الفرق ، حيث جاء في بعض الروايات :
تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه ومن هنا جزم السلف بأن المبتدع لا توبة له منها حسبما تقدم .