المثال الثاني : اتفاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على
حد شارب الخمر
اتفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حد شارب الخمر ثمانين ، وإنما مستندهم فيه الرجوع إلى المصالح والتمسك بالاستدلال المرسل ، قال العلماء : لم يكن فيه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم حد مقدر ، وإنما جرى الزجر فيه مجرى التعزير ، ولما انتهى الأمر إلى
أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ قرره على طريق النظر بأربعين ، ثم انتهى الأمر إلى عثمان ـ رضي الله عنه ـ فتتابع الناس فجمع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ فاستشارهم ، فقال
علي ـ رضي الله عنه ـ : من سكر هذى ومن هذى افترى ، فأرى عليه حد المفتري .
ووجه إجراء المسألة على الاستدلال المرسل أن الصحابة أو الشرع يقيم الأسباب في بعض المواضع مقام المسببات ، والمظنة مقام الحكمة ، فقد جعل الإيلاج في أحكام كثيرة يجري مجرى الإنزال ، وجعل الحافر للبئر في محل العدوان - وإن لم يكن ثم مردى كالمردي نفسه ،
[ ص: 616 ] وحرم الخلوة بالأجنبية حذرا من الذريعة إلى الفساد ، إلى غير ذلك من الفساد ، فرأوا الشرب ذريعة إلى الافتراء الذي تقتضيه كثرة الهذيان ، فإنه أول سابق إلى السكران ـ قالوا ـ فهذا من أوضح الأدلة على إسناد الأحكام إلى المعاني التي لا أصول لها ( يعني : على الخصوص به ) وهو مقطوع من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ .