[ ص: 23 ] (
أصحاب الحديث أولى الناس بالاتباع )
فلم نجد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله وآثار صحابته إلا الحث على الاتباع ، وذم التكلف والاختراع ، فمن اقتصر على هذه الآثار كان من المتبعين ، وكان أولاهم بهذا الاسم ، وأحقهم بهذا الوسم ، وأخصهم بهذا الرسم ( ( أصحاب الحديث ) ) ؛ لاختصاصهم برسول الله - صلى الله عليه وسلم - واتباعهم لقوله ، وطول ملازمتهم له ، وتحملهم علمه ، وحفظهم أنفاسه وأفعاله ، فأخذوا الإسلام عنه مباشرة ، وشرايعه مشاهدة ، وأحكامه معاينة ، من غير واسطة ولا سفير بينهم وبينه واصلة . فجاولوها عيانا ، وحفظوا عنه شفاها ، وتلقنوه من فيه رطبا ، وتلقنوه من لسانه عذبا ، واعتقدوا جميع ذلك حقا ، وأخلصوا بذلك من قلوبهم يقينا ، فهذا دين أخذ أوله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مشافهة ، لم يشبه لبس ولا شبهة ، ثم نقلها العدول عن العدول من غير تجامل ولا ميل ، ثم الكافة عن الكافة ، والصافة عن الصافة ، والجماعة عن الجماعة ، أخذ كف بكف ، وتمسك خلف بسلف ، كالحروف يتلو بعضها بعضا ، ويتسق أخراها على أولاها رصفا ونظما .