(
نتائج تحكيم العقل في أمور الشريعة )
فهو دائب الفكر في تدبير مملكة الله بعقله المغلوب ، وفهمه المقلوب ، بتقبيح القبيح من حيث وهمه ، أو بتحسين الحسن بظنه ، أو بانتساب الظلم والسفه من غير بصيرة إليه ، أو بتعديله تارة كما يخطر بباله ، أو بتجويره أخرى كما يوسوسه شيطانه ، أو بتعجيزه عن خلق أفعال عباده ، أو بأن يوجب حقوقا لعبيده عليه قد ألزمه إياه بحكمه لجهله بعظيم قدره ، وأنه تعالى لا تلزمه الحقوق ، بل له الحقوق اللازمة والفروض الواجبة على عبيده ، وأنه المتفضل عليهم بكرمه وإحسانه .
ولو رد الأمور إليه ورأى تقديرها منه وجعل له المشيئة في ملكه وسلطانه ، ولم يجعل خالقا غيره معه ، وأذعن له ؛ كان قد سلم من الشرك والاعتراض عليه .
[ ص: 10 ] فهو راكض ليله ونهاره في الرد على كتاب الله تعالى وسنة - رسوله صلى الله عليه وسلم - والطعن عليهما ، أو مخاصما بالتأويلات البعيدة فيهما ، أو مسلطا رأيه على ما لا يوافق مذهبه بالشبهات المخترعة الركيكة ، حتى يتفق الكتاب والسنة على مذهبه ، وهيهات أن يتفق .
ولو أخذ سبيل المؤمنين ، وسلك مسلك المتبعين ، لبنى مذهبه عليهما واقتدى بهما ، ولكنه مصدود عن الخير مصروف . فهذه حالته إذا نشط للمحاورة في الكتاب والسنة .
فأما إذا رجع إلى أصله وما بنى بدعته عليه ، اعترض عليهما بالجحود والإنكار ، وضرب بعضها ببعض من غير استبصار ، واستقبل أصلهما ببهت الجدل والنظر من غير افتكار ، وأخذ في الهزو والتعجب من غير اعتبار ، استهزاء بآيات الله وحكمته ، واجتراء على دين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسنته ، وقابلهما برأي النظام والعلاف
[ ص: 11 ] والجبائي وابنه الذين هم قلدة دينه .