وسيأتي في ذكر الأحاديث مراجعة الرسل الشفاعة بينهم حتى تنتهي إلى نبينا صلى الله عليه وسلم وأنه يأتي فيستأذن ربه عز وجل ثم يسجد ويحمده بمحامد يعلمه تعالى إياها ، ولم يزل كذلك حتى يؤذن له ويقال : ارفع رأسك وقل يسمع وسل تعط واشفع تشفع ، وأنه يحد له حدا فيدخلهم الجنة ثم يرجع كذلك ، وفي كل مرة يستأذن ويدعو حتى يؤذن له ، ويحد له حدا حتى ينجو جميع الموحدين ، وهكذا كل شافع بعده يسأل الشفاعة من مالكها حتى يؤذن له ، إلى أن يقول الشفعاء لم يبق إلا من حبسه القرآن وحق عليه الخلود . والمقصود أن الشفاعة ملك لله عز وجل ولا تسأل إلا منه ، كما لا [ ص: 889 ] تكون إلا بإذنه للشافع في المشفوع حين يأذن في الشفاعة .
( لا كما يرى كل قبوري ) نسبة إلى القبور لعبادته أهلها . ( على الله افترى ) في ما ينسبه إلى أهل القبور ويضيفه إليهم من التصرفات التي هي ملك لله عز وجل لا يقدر عليها غيره تعالى ولا شريك له فيها ، ورتبوا على ذلك صرف العبادات إلى الأموات ودعاءهم إياهم والذبح والنذر لهم دون جبار الأرض والسماوات وسؤالهم منهم قضاء الحاجات ودفع الملمات وكشف الكربات والمكروهات معتقدين فيهم أنهم يسمعون دعاءهم ويستطيعون إجابتهم . وقد تقدم كشف عوراتهم وهتك أستارهم بما يشفي ويكفي ولله الحمد والمنة .
يشفع أولا إلى الرحمن في فصل القضاء بين أهل الموقف من بعد أن يطلبها الناس إلى كل أولي العزم الهداة الفضلا
وسيأتي إن شاء الله تعالى في حديث أنس رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=1025262يجمع الله [ ص: 892 ] الناس يوم القيامة فيهتمون لذلك - وفي لفظة : فيلهمون لذلك - فيقولون : لو استشفعنا إلى ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا ، قال فيأتون آدم " الحديث . وتقدم في حديث الصور قوله صلى الله عليه وسلم : " فتقفون موقفا واحدا مقداره سبعون عاما لا ينظر إليكم ولا يقضى بينكم ، فتبكون حتى تنقطع الدموع ، ثم تدمعون دما وتعرقون حتى يلجمكم العرق ويبلغ الأذقان وتقولون : من يشفع لنا إلى ربنا فيقضي بيننا ؟ فتقولون : من أحق بذلك من أبيكم آدم ، خلقه الله تعالى بيده ونفخ فيه من روحه وكلمه قبلا . فيأتون آدم فيطلبون ذلك إليه فيأتي ويقول : ما أنا بصاحب ذلك ، فيستقرئون الأنبياء نبيا نبيا كلما جاءوا نبيا أبى عليهم . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حتى يأتوني فأنطلق إلى الفحص فأخر ساجدا . قال nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : يا رسول الله وما الفحص ؟ قال قدام العرش حتى يبعث الله إلي ملكا فيأخذ بعضدي ويرفعني فيقول لي : يا محمد . فأقول : نعم يا رب . فيقول الله عز وجل : ما شأنك ؟ وهو أعلم . فأقول : يا رب وعدتني الشفاعة فشفعني في خلقك فاقض بينهم . قال الله تعالى : قد شفعتك ، أنا آتيكم أقضي بينكم " الحديث .