[ ص: 920 ] فصل : الإيمان بالقدر على أربع مراتب .
واعلم رحمك الله تعالى ووفقنا وإياك لما يحبه ويرضاه ، وهداناه وإياك صراطه المستقيم أن الإيمان بالقدر على أربع مراتب :
المرتبة الأولى :
الإيمان بعلم الله - عز وجل - المحيط بكل شيء من الموجودات والمعدومات والممكنات والمستحيلات ، فعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، وأنه علم ما الخلق عاملون قبل أن يخلقهم ، وعلم أرزاقهم وآجالهم وأحوالهم وأعمالهم في جميع حركاتهم وسكناتهم وشقاوتهم وسعادتهم ، ومن هو منهم من أهل الجنة ، ومن هو منهم من أهل النار من قبل أن يخلقهم ، ومن قبل أن يخلق الجنة والنار ، علم دق ذلك وجليله ، وكثيره وقليله ، وظاهره وباطنه ، وسره وعلانيته ، ومبدأه ومنتهاه ، كل ذلك بعلمه الذي هو صفته ، ومقتضى اسمه العليم الخبير عالم الغيب والشهادة علام الغيوب ، كما قال تعالى : (
هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ) ، ( الحشر 22 ) ، وقال تعالى : (
لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما ) ، ( الطلاق 12 ) ، وقال تعالى : (
وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا ) ، ( الجن 28 ) وقال تعالى : (
عالم الغيب لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ) ، ( سبأ 3 ) ، وقال تعالى : (
إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) ، ( النجم 30 ) ، وقال تعالى : (
أليس الله بأعلم بالشاكرين ) (
أوليس الله بأعلم بما في صدور العالمين ) ، ( العنكبوت 10 ) ، وقال تعالى : (
وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لا تعلمون ) ، ( البقرة 30 ) الآيات ، وقال تعالى :
[ ص: 921 ] (
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ) ، ( البقرة 216 ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله تعالى : باب : الله أعلم بما كانوا عاملين ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16769غندر ، حدثنا
شعبة ، عن
أبي بشر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025306سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17320يحيى بن بكير ، حدثنا
الليث ، عن
يونس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب قال : وأخبرني
عطاء بن يزيد أنه سمع
nindex.php?page=showalam&ids=3أبا هريرة يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024056سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذراري المشركين فقال : الله أعلم بما كانوا عاملين .
حدثني
إسحاق أخبرنا
عبد الرزاق أخبرنا
معمر عن
همام عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025307ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه كما تنتجون البهيمة هل تجدون فيها من جدعاء حتى تكونوا أنتم تجدعونها . قالوا يا رسول الله أفرأيت من يموت وهو صغير ؟ قال الله أعلم بما كانوا عاملين
وقال أيضا - رحمه الله تعالى : حدثنا
آدم ، حدثنا
شعبة ، حدثنا
يزيد الرشك قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17098مطرف بن عبد الله بن الشخير يحدث عن
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن حصين قال "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025308قال رجل : يا رسول الله أيعرف أهل الجنة من أهل النار ؟ قال نعم . قال فلم يعمل [ ص: 922 ] " العاملون ؟ قال : كل يعمل لما خلق له " أو لما يسر له .
وقال - رحمه الله - أيضا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15974سعيد بن أبي مريم ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12125أبو غسان ، حدثني
أبو حازم عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد nindex.php?page=hadith&LINKID=1025309أن رجلا من أعظم المسلمين غناء عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : " من أحب أن ينظر إلى الرجل من أهل النار فلينظر إلى هذا " . فاتبعه رجل من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جرح فاستعجل الموت فجعل ذبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه . فأقبل الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مسرعا فقال : أشهد أنك رسول الله . فقال : وما ذاك ؟ قال : قلت لفلان : " من أحب أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه " وكان من أعظمنا غناء عن المسلمين، فعرفت أنه لا يموت على ذلك . فلما جرح استعجل الموت فقتل نفسه . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : " إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار، وإنما الأعمال بالخواتيم " .
وقال
مسلم - رحمه الله تعالى : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15020عبد الله بن مسلمة بن قعنب ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17116معتمر بن سليمان ، عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=15896رقبة بن مسقلة عن
أبي إسحاق عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025310إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافرا، ولو عاش لأرهق أبويه طغيانا وكفرا " .
حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=11997زهير بن حرب ، حدثنا
جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14807العلاء بن المسيب ، عن
فضيل بن عمرو ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16270عائشة بنت طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025311توفي صبي ، فقلت : طوبى له ، عصفور من عصافير الجنة . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : أولا تدرين أن الله تعالى خلق [ ص: 923 ] الجنة وخلق النار ، فخلق لهذه أهلا ولهذه أهلا .
حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12508أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
طلحة بن يحيى ، عن عمته
nindex.php?page=showalam&ids=16270عائشة بنت طلحة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أم المؤمنين قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025312دعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى جنازة صبي من الأنصار ، فقلت : يا رسول الله ، طوبى له عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل السوء ولم يدركه . قال : أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم .
وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16379عبد العزيز - يعني : ابن محمد ، عن
العلاء ، عن أبيه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025313إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة .
قلت وهذا الحديث وما في معناه تفسيره عند أهل العلم والسنة على حديث
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد عند
مسلم - رحمه الله تعالى - قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد ، حدثنا
يعقوب - يعني : ابن عبد الرحمن القاري ، عن
أبي حازم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=31سهل بن سعد الساعدي : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025314إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس ، وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس ، وهو من أهل الجنة " . الحديث يفسر الأول أن عمل المختوم له بالشقاوة إذا ظهر صلاحه ، إنما هو فيما يبدو للناس .
وقال - رحمه الله تعالى : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16553عثمان بن عمر ، حدثنا
عزرة بن ثابت عن
يحيى بن عقيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=17344يحيى بن يعمر عن
nindex.php?page=showalam&ids=11822أبي الأسود الديلي قال : قال لي
nindex.php?page=showalam&ids=40عمران بن الحصين nindex.php?page=hadith&LINKID=1025315أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون [ ص: 924 ] فيه، أشيء قضي عليهم ومضى عليهم من قدر ما سبق ؟ أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم وثبتت الحجة عليهم ؟ فقلت : بل شيء قضي عليهم ومضى عليهم، قال : فقال أفلا يكون ظلما ؟ قال ففزعت من ذلك فزعا شديدا وقلت : كل شيء خلق الله وملك يده فلا يسأل عما يفعل وهم يسألون، فقال لي : يرحمك الله إني لم أرد بما سألتك إلا لأحزر عقلك، إن رجلين من مزينة أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالا يا رسول الله أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه أفي شيء قضي عليهم ومضى فيهم من قدر قد سبق أو فيما يستقبلون به مما أتاهم به نبيهم - صلى الله عليه وسلم - وثبتت الحجة عليهم ؟ فقال لا بل شيء قضي عليهم ومضى فيهم . وتصديق ذلك في كتاب الله عز وجل ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) ، ( الشمس 8 ) .
وفيه عن
علي - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025316كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم جالسا ، وفي يده عود ينكت به ، فرفع رأسه فقال : ما منكم من نفس منفوسة إلا وقد علم منزلها من الجنة والنار . قالوا : يا رسول الله ، فلم نعمل ، أفلا نتكل ؟ قال : اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، ثم قرأ : ( فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى ) إلى قوله : ( فسنيسره للعسرى ) ، ( الليل 5 - 10 ) ، والآيات والأحاديث في هذا الباب كثيرة شهيرة ، يطول استقصاؤها ، وقد تقدم منها جملة في إثبات علم الله - عز وجل - من توحيد المعرفة والإثبات .