هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة المعراج ؟
واختلف السلف الصالح
هل رأى نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه ليلة المعراج ؟ فروى
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : أتعجبون أن تكون الخلة
لإبراهيم ، والكلام
لموسى ، والرؤية
لمحمد - صلى الله عليه وسلم . وعن
عكرمة قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وسئل : هل رأى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه ؟ قال : نعم . قال : فقلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : أليس يقول الله تعالى : (
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ) ، ( الأنعام 103 ) ، قال : لا أم لك ، ذلك نوره إذا تجلى بنوره ، لم يدركه شيء . وروى عنه من طرق لا تحصى كثرة قال : رأى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه ، وعنه رآه بقلبه . وفي رواية : رآه بفؤاده مرتين . رواه
مسلم وغيره ، وله عن
أبي ذر قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
[ ص: 1069 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=1025502هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه ؟ وفي رواية قال : رأيت نورا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13114ابن خزيمة في قوله " نور أنى أراه " : هذا يحتمل معنيين على سعة لسان العرب : أحدهما الإثبات ومعناه إني أراه ، أو كيف أراه فهو نور ، أو فإن ما رأى نور .
ويؤيد هذا رواية " رأيت نورا " .
المعنى الثاني : النفي ، قال : والعرب قد تقول " أنى " على معنى النفي ، كقوله - عز وجل : (
قالوا أنى يكون له الملك علينا ) ، ( البقرة 247 ) الآية ، يريدون كيف يكون له الملك علينا ، ونحن أحق بالملك منه ؟ ثم روى ، عن
أبي ذر قال : رآه بقلبه ، ولم يره بعينه .
وله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور قال : سألت
الحسن فقلت : (
ثم دنا فتدلى ) ، ( النجم 8 ) من ذا يا
أبا سعيد ؟ قال : ربي . وله عن
nindex.php?page=showalam&ids=16874المبارك بن فضالة قال : كان
الحسن يحلف بالله ، لقد رأى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه . وله عن
كعب قال : إن الله قسم رؤيته وكلامه بين
موسى ومحمد - صلوات الله عليهما - فرآه
محمد مرتين ، وكلم
موسى مرتين .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16292عباد بن منصور قال : سألت
عكرمة عن قوله : (
ما كذب الفؤاد ما رأى ) ، ( النجم 11 ) ، فقال
عكرمة : تريد أن أخبرك أنه قد رآه ؟ قلت : نعم . قال : قد رآه ، ثم قد رآه .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب ، عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قلنا :
يا رسول الله ، هل رأيت ربك ؟ قال : لم أره [ ص: 1070 ] بعيني ، ورأيته بفؤادي مرتين ، ثم تلا ( ثم دنا فتدلى ) ، ( النجم 8 ) . وقال
البغوي : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو
أنس والحسن وعكرمة قالوا : رأى
محمد ربه . قال
ابن كثير : وقول
البغوي فيه نظر .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ومسلم ، عن
مسروق قال : قلت
لعائشة - رضي الله عنها : يا أمتاه ، هل رأى
محمد - صلى الله عليه وسلم - ربه ؟ فقالت : لقد قف شعري مما قلت ، أين أنت من " ثلاث من حدثكهن ، فقد كذب : من حدثك أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه ، فقد كذب ، ثم قرأت (
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) ، ( الأنعام 103 ) ، (
ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ) ، ( الشورى 51 ) ، ومن حدثك أنه يعلم ما في غد ، فقد كذب ، ثم قرأت (
وما تدري نفس ماذا تكسب غدا ) ، ( لقمان 34 ) ، ومن حدث أنه كتم ، فقد كذب ، ثم قرأت (
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ) ، ( المائدة 67 ) الآية ، ولكنه رأى
جبريل - عليه السلام - في صورته مرتين . هذا لفظ
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
ولفظ
مسلم ، عن
مسروق قال : كنت متكئا عند
عائشة - رضي الله عنها - فقالت : يا
أبا عائش ، ثلاث من تكلم بواحدة منهن ، فقد أعظم على الله الفرية ، قلت : ما هن ؟ قالت : من زعم أن
محمدا - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه ، فقد أعظم على الله الفرية . قال : وكنت متكئا ، فجلست فقلت : يا أم المؤمنين ، أنظريني ولا تعجليني ، ألم يقل الله - عز وجل : (
ولقد رآه بالأفق المبين ) ، ( التكوير 23 ) ، (
ولقد رآه نزلة أخرى ) ، ( النجم 13 ) ؟ فقالت : أنا أول هذه الأمة سأل عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنما هو
جبريل ، لم أره على صورته التي خلق عليها غير هاتين المرتين ، منهبطا من السماء سادا عظم خلقه ما بين السماء إلى الأرض .
[ ص: 1071 ] فقالت : أو لم تسمع أن الله يقول : (
لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ) ، ( الأنعام 103 ) ؟ أو لم تسمع أن الله يقول : (
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم ) ، ( الشورى 51 ) ؟ قالت : ومن زعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كتم شيئا من كتاب الله ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول : (
يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ) ، ( المائدة 67 ) ، قالت : ومن زعم أنه يخبر بما يكون في غد ، فقد أعظم على الله الفرية ، والله يقول : (
قل لا يعلم من في السماوات والأرض الغيب إلا الله ) ، ( النمل 65 ) ، وزاد في رواية قالت : ولو كان
محمد - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا مما أنزل إليه ، لكتم هذه الآية (
وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) ، ( الأحزاب 37 ) .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود في آية النجم مثل قول
عائشة .
[ ص: 1072 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13114أبو بكر بن خزيمة - رحمه الله - في قول
عائشة - رضي الله عنها - " فقد أعظم على الله الفرية " قال : هذه لفظة أحسب
عائشة تكلمت بها في وقت غضب ، كانت لفظة أحسن منها يكون فيها درك لبغيتها ، كان أجمل بها ، ليس يحسن في اللفظ أن يقول قائل أو قائلة : قد أعظم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الفرية
وأبو ذر nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وجماعات من الناس الفرية على ربهم ، ولكن قد يتكلم المرء عند الغضب باللفظة التي يكون غيرها أحسن وأجمل منها ، أكثر ما في هذا أن
عائشة - رضي الله عنها -
وأبا ذر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك - رضي الله عنه - قد اختلفوا : هل رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه ؟ فقالت
عائشة - رضي الله عنها : لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه . وقال
أبو ذر nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - رضي الله عنهما : قد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه . وقد أعلمت في مواضع من كتبنا أن النفي لا يوجب علما ، والإثبات هو الذي يوجب العلم ، لم تحك
عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه خبرها أنه لم ير ربه - عز وجل ، وإنما تلت قوله - عز وجل : (
لا تدركه الأبصار ) ، ( الأنعام 103 ) ، وقوله : (
ما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا ) ، ( الشورى 51 ) ، ومن تدبر هاتين الآيتين ووفق لإدراك الصواب ، علم أنه ليس في واحدة من الآيتين ما يستحق من قال : إن
محمدا رأى ربه الرمي بالفرية على الله ، كيف بأن يقول قد أعظم الفرية على الله ، ثم قال : رحمه الله
[ ص: 1073 ] تعالى : فقد ثبت عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إثباته أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد رأى ربه ، وبيقين يعلم كل عالم أن هذا ليس من الجنس الذي يدرك بالعقول والآراء والجنان والظنون ، ولا يدرك مثل هذا العلم إلا من طريق النبوة ، إما بكتاب أو بقول نبي مصطفى ، ولا أظن أحدا من أهل العلم يتوهم أن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ربه برأي ولا ظن لا ولا
أبو ذر ولا
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك .
نقول كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر بن راشد لما ذكر اختلاف
عائشة - رضي الله عنها -
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في هذه المسألة : ما
عائشة عندنا أعلم من
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، نقول :
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله عالمة فقيهة ، كذلك
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما - ابن عم النبي - صلى الله عليه وسلم - قد دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - له أن يرزق الحكمة والعلم ، وهذا المعنى من الدعاء وهو المسمى ترجمان القرآن ، وقد كان الفاروق - رضي الله عنه - يسأله عن معاني القرآن فيقبل منه ، وإن خالفه غيره ممن هو أكبر سنا منه وأقدم صحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم ، وإذا اختلفا فمحال أن يقال قد أعظم
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الفرية على الله ; لأنه قد أثبت شيئا نفته
عائشة - رضي الله عنها ، والعلماء لا يطلقون هذه اللفظة ، وإن غلط بعض العلماء في معنى الآية من كتاب الله - عز وجل - أو خالف سنة أو سننا من سنن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم تبلغ المرء تلك السنن ، فكيف يجوز أن يقال أعظم الفرية على الله من أثبت شيئا لم ينفه كتاب ولا سنة ، فتفهموا هذا لا تغالطوا ، ثم قال - رحمه الله تعالى : وقد كنت قديما أقول : إن
عائشة حكت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كانت تعتقد في هذه المسألة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ير ربه - جل وعلا - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمها ذلك ، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله عنهما -
nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وأبو ذر - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى ربه لعلم كل عالم يفهم هذه الصناعة ، أن الواجب من طريق العلم والفقه قبول قول من روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى ربه ، إذ جائز أن تكون
عائشة - رضي الله عنها - سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : لم أر ربي قبل أن يرى ربه - عز وجل ، ثم يسمع غيرها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يخبر أنه قد رأى ربه بعد رؤيته ربه ، فيكون الواجب من طريق العلم قبول خبر من أخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى ربه . انتهى كلامه ، رحمه الله .