ولهذا لما أراد مسيلمة الكذاب معارضته مكابرة ومباهاة مع علمه أنه لا يقدر على شيء البتة ، فلما فعل ذلك ، جعل الله تعالى كلامه أسمج ما يسمع وأرك ما ينطق به ، وصار أضحوكة للصبيان في كل زمان ومكان ، حتى أنه لا يشبه كلام العقلاء ولا المجانين ولا النساء ولا المخنثين ، وصار كذبه معلوما عند كل أحد ، ووسمه الله - عز وجل - على لسان نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - باسم الكذاب ، فلا يسمى إلا به ، ولا يعرف إلا به ، حتى صار أشهر من عليه العلم ، بل لا علم له غيره أبدا ، ويروى أن أصحاب الفيلسوف الكندي ، قالوا له : أيها الحكيم ، اعمل لنا مثل هذا القرآن . فقال : نعم ، أعمل مثل بعضه ، فاحتجب أياما كثيرة ، ثم خرج فقال : والله ما أقدر ولا يطيق هذا أحد ، إني فتحت المصحف فخرجت سورة المائدة ، فنظرت فإذا هو قد نطق بالوفاء ، ونهى عن النكث ، وحلل تحليلا عاما ، ثم استثنى [ ص: 1101 ] بعد استثناء ، ثم أخبر عن قدرته وحكمته في سطرين ، ولا يقدر أحد أن يأتي بهذا ، قلت : وهذا الذي قاله الفيلسوف مقدار فهمه ومبلغ علمه ، وإلا فبلاغة القرآن فوق ما يصف الواصفون ، وكيف يقدر البشر أن يصفوا صفات من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال : أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء وهو بالزوراء ، فوضع يده في الإناء ، فجعل الماء ينبع من أصابعه ، فتوضأ القوم ، قال : وكانوا ثلاثمائة أو زهاء ثلاثمائة .
لكن الشاهد منه في هذه الرواية أصرح ، وهو قوله : أخبرتني هذه ، للذراع . وقد رواه جماعة من الصحابة في عامة الأمهات وغيرها ، ودلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أن تحصى في الأسفار ، فضلا عن هذا المختصر ، وقد جمعت فيها التصانيف المستقلات من المختصرات والمطولات ، وبالله التوفيق .
وكذا قد صنفت التصانيف الجمة في صفاته الخلقية والخلقية وسيرته وشمائله ومعاملاته مع الحق ومع الخلق ، فلتراجع لها مصنفاتها . وكذا خصائصه [ ص: 1106 ] التي انفرد بها في الدنيا والآخرة عن غيره من الرسل السماويين والأرضيين ، وقد تقدم التنبيه على مهمات من ذلك .