مواقفه العظيمة .
وأما ما منحه الله تعالى من المواقف العظيمة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من حين بعثته إلى أن توفاه الله - عز وجل - من نصرته ، والذب عنه ، والشفقة عليه ، والدعوة إلى ما دعا إليه ، وملازمته إياه ، ومواساته بنفسه وماله ، وتقدمه معه في كل خير ، فأمر لا تدرك غايته ، ثم لما توفى الله - عز وجل - نبيه - صلى الله عليه وسلم - كان من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن ولاه أمرهم بعد نبيه ، وجمعهم عليه بلطفه ، فجمع الله به شمل العرب بعد شتاته ، وقمع به كل عدو للدين ودمر عليه ، وألف له الأمة وردهم إليه بعد أن ارتد أكثرهم عن دينه ، وانقلب الغالب منهم على أعقابهم كافرين ، حتى قيل : لم يبق يصلى إلا في ثلاثة مساجد : الحرمين الشريفين ، ومسجد
nindex.php?page=showalam&ids=386العلاء بن الحضرمي بالبحرين ، فردهم الله تعالى إلى الحق طوعا وكرها ، وأطفأ به كل فتنة في أقل من ستة أشهر ، ولله الحمد والمنة .
[ ص: 1145 ] قال الله - تبارك وتعالى :
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ( المائدة 54 ) الآيات .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري وقتادة : هم
أبو بكر وأصحابه الذين قاتلوا أهل الردة ومانعي الزكاة .
وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قبض ارتد عامة العرب ، إلا
أهل مكة والمدينة والبحرين من
عبد القيس ، ومنع بعضهم الزكاة . وهم
أبو بكر - رضي الله عنه - بقتالهم ، فكره ذلك أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال
عمر - رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس ، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025620أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فمن قال لا إله إلا الله ، عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابهم على الله - عز وجل ؟ فقال
أبو بكر - رضي الله عنه : فوالله لأقتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه : كرهت الصحابة - رضي الله عنهم -
قتال مانعي الزكاة ، وقالوا : أهل القبلة ، فتقلد
أبو بكر - رضي الله عنه - سيفه ، وخرج وحده ، فلم يجدوا بدا من الخروج في أثره . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود - رضي الله عنه : سمعت
أبا حصين يقول :
ما ولد بعد النبيين مولود أفضل من أبي بكر - رضي الله عنه ، لقد قام مقام نبي من الأنبياء في قتال أهل الردة ، وكان قد ارتد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاث فرق : منهم
بنو مذحج ، ورئيسهم
ذو الخمار عبهلة بن كعب العنسي ، ويلقب بالأسود ، وكان كاهنا مشعبذا فتنبأ
باليمن واستولى على بلاده ، فكتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل ومن معه من
[ ص: 1146 ] المسلمين ، وأمرهم أن يحثوا الناس على التمسك بدينهم ، وعلى النهوض لحرب الأسود ، فقتله
فيروز الديلمي على فراشه ، قال - رضي الله عنه : فأتى الخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - من السماء في الليلة التي قتل فيها ،
فقال - صلى الله عليه وسلم : قتل الأسود البارحة ، قتله رجل مبارك . قيل : ومن هو ؟ قال : فيروز ، فاز
فيروز . فبشر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بهلاك
الأسود ، وقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - من الغد ، وأتى خبر مقتل
العنسي المدينة في آخر شهر ربيع الأول بعد ما خرج
أسامة ، وكان ذلك أول فتح جاء
أبا بكر - رضي الله عنه .
والفرقة الثانية :
بنو حنيفة ، ورئيسهم
مسيلمة الكذاب ، وكان قد تنبأ في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر سنة عشر ، وزعم أنه اشترك مع
محمد - صلى الله عليه وسلم - في النبوة ، وكتب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم : من
مسيلمة رسول الله ، إلى
محمد رسول الله ، أما بعد ، فإن الأرض نصفها لي ونصفها لك ، وبعث إليه رجلين من أصحابه ، فقال لهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1025622لولا أن الرسل لا تقتل ، لضربت أعناقكما ، ثم أجاب : من محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، إلى مسيلمة الكذاب : أما بعد ، فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين .
ومرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوفي ، فبعث
أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد إلى
مسيلمة الكذاب في جيش كثير حتى أهلكه الله على يدي ،
وحشي غلام
مطعم بن عدي الذي قتل
nindex.php?page=showalam&ids=135حمزة بن عبد المطلب بعد حرب شديدة ، وكان
وحشي يقول : قتلت خير الناس في الجاهلية ، وشر الناس في الإسلام .
والفرقة الثالثة :
بنو أسد ، ورأسهم
nindex.php?page=showalam&ids=2265طليحة بن خويلد ، وكان
طليحة آخر من ارتد
[ ص: 1147 ] وادعى النبوة في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم ، وأول من قوتل بعد وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل الردة ، فبعث
أبو بكر nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد ، فهزمهم
خالد بعد قتال شديد ، وأفلت
طليحة ، فمر على وجهه هاربا نحو
الشام ، ثم إنه أسلم بعد ذلك ، وحسن إسلامه .
وارتد بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في خلافة
أبي بكر - رضي الله عنه - خلق كثير حتى كفى الله المسلمين أمرهم ، ونصر دينه على يدي
أبي بكر - رضي الله عنه ، قالت
عائشة - رضي الله عنها : توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم ، وارتدت العرب ، واشرأب النفاق ، ونزل بأبي ما نزل لو بحبار لهاضها . انتهى من تفسير البغوي ، رحمه الله .