ذكر
ما نقل عن الأئمة وعن غيرهم في هذا الباب
عن الإمام
مالك - رحمه الله تعالى - أن
الرشيد سأله عن ذلك ، فاستدل له باختلاف اللغات والأصوات والنغمات . وعن
أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - أن بعض الزنادقة
[ ص: 111 ] سألوه عن وجود الباري - تعالى - فقال لهم : دعوني ، فإني مفكر في أمر قد أخبرت عنه ، ذكروا إلي أن سفينة في البحر موقرة ، فيها أنواع من المتاجر ، وليس بها أحد يحرسها ولا يسوقها ، وهي مع ذلك تذهب وتجيء وتسير بنفسها ، وتخترق الأمواج العظام ، حتى تخلص منها ، وتسير حيث شاءت بنفسها من غير أن يسوقها أحد . فقالوا : هذا شيء لا يقوله عاقل . فقال : ويحكم ، هذه الموجودات بما فيها من العالم العلوي والسفلي ، وما اشتملت عليه من الأشياء المحكمة ، ليس لها صانع ؟ فبهت القوم ورجعوا إلى الحق ، وأسلموا على يديه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - رحمه الله تعالى - أنه سئل عن وجود الخالق - عز وجل - فقال : هذا ورق التوت ، طعمه واحد ، تأكله الدود ، فيخرج منه الإبريسم ، وتأكله النحل ، فيخرج منه العسل ، وتأكله الشاء والبقر والأنعام ، فتلقيه بعرا وروثا ، وتأكله الظباء ، فيخرج منه المسك ، وهو شيء واحد .
وعن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بن حنبل - رحمه الله - أنه سئل عن ذلك ، فقال : هاهنا حصن حصين أملس ، ليس له باب ولا منفذ ، ظاهره كالفضة البيضاء ، وباطنه كالذهب الإبريز ، فبينا هو كذلك إذ انصدع جداره ، فخرج منه حيوان سميع بصير ، ذو شكل حسن وصوت مليح ا هـ . يعني بذلك البيضة إذا خرج منها الديك . وسئل
nindex.php?page=showalam&ids=12185أبو نواس عن ذلك فأنشد :
تأمل في رياض الأرض وانظر إلى آثار ما صنع المليك عيون من لجين شاخصات
بأحداث هي الذهب السبيك على قضب الزبرجد شاهدات
بأن الله ليس له شريك
.
وقال
ابن المعتز ، ويروي
nindex.php?page=showalam&ids=11876لأبي العتاهية - رحمهما الله تعالى :
فيا عجبا كيف يعصى الإله أم كيف يجحده الجاحد
ولله في كل تحريكة وفي كل تسكينة شاهد
وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
.
وسئل بعض الأعراب عن هذا ، وما الدليل على وجود الرب - تعالى - فقال : يا سبحان الله ، إن البعر ليدل على البعير ، وإن أثر الأقدام ليدل على المسير ، فسماء ذات أبراج ، وأرض ذات فجاج ، وبحار ذات أمواج ، ألا يدل ذلك على وجود اللطيف الخبير ؟ .
ومن خطب
قس بن ساعدة الإيادي ، وكان على ملة
إبراهيم رحمه الله تعالى : أيها
[ ص: 112 ] الناس ، اجتمعوا فاسمعوا ، وإذا سمعتم فعوا ، وإذا وعيتم فانتفعوا ، وقولوا وإذا قلتم فاصدقوا ، من عاش مات ، ومن مات فات ، وكل ما هو آت آت ، مطر ونبات ، وأحياء وأموات ، ليل داج ، وسماء ذات أبراج ، ونجوم تزهر ، وبحار تزخر ، وضوء وظلام ، وليل وأيام ، وبر وآثام ، إن في السماء خبرا ، وإن في الأرض عبرا ، يحار فيهن البصر ، مهاد موضوع ، وسقف مرفوع ، ونجوم تغور ، وبحار لا تفور ، ومنايا دوان ، ودهر خوان ، كحد النسطاس ووزن القسطاس . أقسم قس قسما ، لا كاذبا فيه ولا آثما ، لئن كان في هذا الأمر رضى ، ليكونن سخط ، ثم قال : أيها الناس ، إن لله دينا هو أحب إليه من دينكم هذا الذي أنتم عليه ، وهذا زمانه وأوانه . ثم قال : مالي أرى الناس يذهبون فلا يرجعون ، أرضوا بالمقام فأقاموا ، أم تركوا فناموا . وفي بعض ألفاظها قال : شرق وغرب ، ويتم وحزب ، وسلم وحرب ، ويابس ورطب ، وأجاج وعذب ، وشموس وأقمار ، ورياح وأمطار ، وليل ونهار ، وإناث وذكور ، وبرار وبحور ، وحب ونبات ، وآباء وأمهات ، وجمع وأشتات ، وآيات في إثرها آيات ، ونور وظلام ، وشر وإعدام ، ورب وأصنام ، لقد ضل الأنام ، نشو مولود ، ووأد مفقود ، وتربية محصود ، وفقير وغني ، ومحسن ومسئ ، تبا لأرباب الغفلة ، ليصلحن العامل عمله ، وليفقدن الآمل أمله ، كلا بل هو إله واحد ليس بمولود ولا والد ، أعاد وأبدى ، وأمات وأحيا ، وخلق الذكر والأنثى ، رب الآخرة والأولى . أما بعد فيا معشر
إياد ، أين
ثمود وعاد ، وأين الآباء والأجداد ، وأين العليل والعواد ، كل له معاد . يقسم
قس برب العباد ، وساطح المهاد لتحشرن على الانفراد ، في يوم التناد ، وإذا نفخ في الصور ، ونقر في الناقور ، ووعظ الواعظ ، فانتبذ القانط وأبصر اللاحظ . فويل لمن صدف عن الحق الأشهر ، والنور الأزهر ، والعرض الأكبر في يوم الفصل ، وميزان العدل ، إذا حكم القدير ، وشهد النذير ، وبعد النصير ، وظهر التقصير ، فريق في الجنة وفريق في السعير .