واعلم أن
أسماء الله - عز وجل - ليست بمنحصرة في التسعة والتسعين المذكورة في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ولا فيما استخرجه العلماء من القرآن ، بل ولا فيما علمته الرسل والملائكة وجميع المخلوقين ، لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عند
أحمد ، وغيره عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1024061ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك ، وابن عبدك ، وابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي ، ونور صدري ، وجلاء حزني ، وذهاب همي ، إلا أذهب الله حزنه وهمه ، وأبدله مكانه فرحا . فقيل : يا رسول الله ، أفلا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لكل من سمعها أن يتعلمها .
واعلم أن من أسماء الله - عز وجل - ما لا يطلق عليه إلا مقترنا بمقابله ، فإذا أطلق وحده ، أوهم نقصا ، تعالى الله عن ذلك ، فمنها المعطي المانع ، والضار النافع ، والقابض الباسط ، والمعز المذل ، والخافض الرافع ، فلا يطلق على الله عز وجل : المانع ، الضار ، القابض ، المذل ، الخافض ، كلا على انفراده ، بل لا بد من ازدواجها بمقابلاتها ، إذ لم تطلق في الوحي إلا كذلك ، ومن ذلك المنتقم ، لم يأت في القرآن
[ ص: 118 ] إلا مضافا إلى " ذو " ، كقوله تعالى : (
عزيز ذو انتقام ) ، ( آل عمران : 4 ) ، أو مقيدا بالمجرمين ، كقوله تعالى : (
إنا من المجرمين منتقمون ) ، ( السجدة : 22 ) .
واعلم أنه قد ورد في القرآن أفعال ، أطلقها الله - عز وجل - على نفسه على سبيل الجزاء العدل والمقابلة ، وهي فيما سيقت فيه مدح وكمال ، لكن لا يجوز أن يشتق له - تعالى - منهما أسماء ، ولا تطلق عليه في غير ما سيقت فيه من الآيات ، كقوله تعالى : (
إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم ) ، ( النساء : 142 ) ، وقوله : (
ومكروا ومكر الله ) ، ( النساء : 54 ) ، وقوله تعالى : (
نسوا الله فنسيهم ) ، ( التوبة : 67 ) ، وقوله تعالى : (
وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون الله يستهزئ بهم ) ، ( البقرة : 14 ) ونحو ذلك ، فلا يجوز أن يطلق على الله - تعالى - مخادع ماكر ، ناس مستهزئ ونحو ذلك مما يتعالى الله عنه ، ولا يقال الله يستهزئ ويخادع ويمكر وينسى على سبيل الإطلاق ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا . وقال
ابن القيم رحمه الله تعالى : إن الله - تعالى - لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع والاستهزاء مطلقا ، ولا ذلك داخل في أسمائه الحسنى ، ومن ظن من الجهاد المصنفين في شرح الأسماء الحسنى أن من أسمائه - تعالى - الماكر المخادع المستهزئ الكائد ، فقد فاه بأمر عظيم ، تقشعر منه الجلود ، وتكاد الأسماع تصم عند سماعه ، وغر هذا الجاهل أنه - سبحانه وتعالى - أطلق على نفسه هذه الأفعال ، فاشتق له منها أسماء ، وأسماؤه تعالى كلها حسنى ، فأدخلها في الأسماء الحسنى ، وقرنها بالرحيم الودود ، الحكيم الكريم ، وهذا جهل عظيم ، فإن هذه الأفعال ليست ممدوحة مطلقا ، بل تمدح في موضع ، وتذم في موضع ، فلا يجوز إطلاق أفعالها على الله - تعالى - مطلقا ، فلا يقال إنه - تعالى - يمكر ويخادع ، ويستهزئ ويكيد ، فكذلك بطريق الأولى لا يشتق له منها أسماء يسمى بها ، بل إذا كان لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ، ولا الفاعل ولا الصانع ; لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم ، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها ، كالحليم والحكيم ، والعزيز والفعال لما يريد ، فكيف يكون منها الماكر والمخادع والمستهزئ ، ثم يلزم هذا الغالط أن يجعل من أسمائه الحسنى الداعي والآتي ، والجائي والذاهب ، والقادم والرائد ، والناسي والقاسم ، والساخط
[ ص: 119 ] والغضبان واللاعن ، إلى أضعاف أضعاف ذلك من التي أطلق - تعالى - على نفسه أفعالها في القرآن ، وهذا لا يقوله مسلم ولا عاقل .
والمقصود أن الله - سبحانه وتعالى - لم يصف نفسه بالكيد والمكر والخداع إلا على وجه الجزاء لمن فعل ذلك بغير حق ، وقد علم أن المجازاة على ذلك حسنة من المخلوق ، فكيف من الخالق ، سبحانه وتعالى .
قلت : ومن هنا يتبين لك ما ذكرنا من النظر في بعض ما عده
ابن العربي ، فإن الفاعل والزارع إذا أطلقا بدون متعلق ولا سياق ، يدل على وصف الكمال فيهما ، فلا يفيدان مدحا ، أما في سياقها من الآيات التي ذكرت فيها ، فهي صفات كمال ومدح وتوحد ، كما قال تعالى : (
كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين ) ، ( الأنبياء : 104 ) وقال تعالى : (
أفرأيتم ما تحرثون أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ) ، ( الواقعة : 63 - 64 ) الآيات ، بخلاف ما إذا عدت مجردة عن متعلقاتها ، وما سيقت فيه وله ، وأكبر مصيبة أن عد في الأسماء الحسنى رابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، مصرحا قبل ذلك بقوله : وفي سورة المجادلة اسمان فذكرهما . وهذا خطأ فاحش ، فإن الآية لا تدل على ذلك ولا تقتضيه بوجه ، لا منطوقا ولا مفهوما ، فإن الله عز وجل قال : (
ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما ) ، ( المجادلة : 8 ) الآية ، وأين في هذا السياق رابع ثلاثة ، سادس خمسة ؟ وكان حقه اللائق بمراده أن يقول : رابع كل ثلاثة في نجواهم ، وسادس كل خمسة كذلك ، فإنه - تعالى - يعلم أفعالهم ، ويسمع أقوالهم كما هو مفهوم من صدر الآية ، ولكن لا يليق بهذا المعنى إلا سياق الآية . والله - تعالى - أعلم .