باق فلا يفنى ولا يبيد ولا يكون غير ما يريد منفرد بالخلق والإراده وحاكم جل بما أراده
.
( باق ) كما أنه الأول بلا ابتداء ، فهو الباقي بلا انتهاء ، كما لا ابتداء لأوليته ، كذلك لا انتهاء لآخريته ( فلا يفنى ولا يبيد ) بل هو المفني المبيد ، وهو المبدئ المعيد ، قال الله عز وجل : ( ولا تدع مع الله إلها آخر لا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون ) ، ( القصص : 88 ) ، وقال تعالى : ( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ، ( الرحمن : 26 - 27 ) ، ( ولا يكون ) في الكون ( غير ما يريد ) ، والمراد بالإرادة هنا الإرادة القدرية الكونية التي لا بد لكل شيء منها ، ولا محيص ولا محيد لأحد عنها ، وهي مشيئة الله الشاملة وقدرته النافذة ، فما شاء الله - تعالى - كان ، وما لم يشأ لم يكن ، فهو - سبحانه - الفعال لما يريد ، ولا نفوذ لإرادة أحد إلا أن يريد ، وما من حركة ولا سكون في السماوات ولا في الأرض إلا بإرادته ومشيئته ، ولو شاء عدم وقوعها لم تقع .
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى - بعد أن ساق نحوا من هذه الآيات : وهذه الآيات ونحوها تتضمن الرد على طائفتي الضلال : نفاة المشيئة بالكلية ، ونفاة مشيئة أفعال العباد وحركاتهم وهداهم وضلالهم ، وهو - سبحانه - يخبر تارة أن كل ما في الكون بمشيئته ، وتارة أن ما لم يشأ لم يكن ، وتارة أنه لو شاء لكان خلاف الواقع ، وأنه لو شاء لكان خلاف القدر الذي قدره وكتبه ، وأنه لو شاء ما عصي ، وأنه لو شاء لجمع خلقه على الهدى وجعلهم أمة واحدة ، فتضمن ذلك أن الواقع بمشيئته ، وأن ما لم يقع فهو لعدم مشيئته ، وهذا حقيقة الربوبية ، وهو معنى كونه ( رب العالمين ) ، وكونه القيوم القائم بتدبير أمور عباده ، فلا خلق ولا رزق ، ولا عطاء ولا منع ، ولا قبض ولا بسط ، ولا موت ولا حياة ، ولا ضلال ولا هدى ، ولا سعادة ولا شقاوة ، [ ص: 218 ] إلا بعد إذنه ، وكل ذلك بمشيئته وتكوينه ، إذ لا مالك غيره ، ولا مدبر سواه ، ولا رب غيره . اهـ .