أصل القول بخلق القرآن
وأول ما اشتهر القول بخلق القرآن في آخر عصر التابعين ، لما ظهر
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان شقيق إبليس - لعنهما الله - وكان ملحدا عنيدا ، وزنديقا زائغا ، مبتغيا غير سبيل المؤمنين ، لم يثبت أن في السماء ربا ، ولا يصف الله - تعالى - بشيء مما وصف به نفسه ، وينتهي قوله إلى جحود الخالق عز وجل . ترك الصلاة أربعين يوما ، يزعم يرتاد دينا ، ولما ناظره بعض السنية في معبوده ، قال قبحه الله : هو هذا الهواء في كل مكان ، وافتتح مرة سورة طه ، فلما أتى على هذه الآية (
الرحمن على العرش استوى ) ، ( طه : 5 ) ، قال : لو وجدت السبيل إلى حكها لحككتها ، ثم قرأ حتى أتى على آية أخرى ، فقال : ما كان أظرف
محمدا حين قالها ، ثم افتتح سورة القصص ، فلما أتى على ذكر
موسى ، جمع يديه ورجليه ، ثم رفع المصحف ، ثم قال : أي شيء هذا ؟ ذكره هاهنا فلم يتم ذكره ، وذكره هاهنا فلم يتم ذكره .
وقد روي عنه غير هذا من الكفريات ، وهو أذل وأحقر من أن نشتغل بترجمته ، وقد يسر الله - تعالى - ذبحه على يد
سالم بن أحوز بأصبهان ، وقيل
بمرو ، وهو يومئذ نائبها ، رحمه الله - تعالى - وجزاه عن المسلمين خيرا .
وقد تلقى هذا القول عن
nindex.php?page=showalam&ids=14005الجعد بن درهم ، لكنه لم يشتهر في أيام
الجعد ، كما اشتهر عن
الجهم ، فإن
الجعد لما أظهر القول بخلق القرآن ، تطلبه
بنو أمية ، فهرب منهم فسكن
الكوفة ، فلقيه فيها
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم بن صفوان ، فتقلد هذا القول عنه ، ولم يكن له كثير أتباع غيره ، ثم يسر الله - تعالى - قتل
الجعد على يد
nindex.php?page=showalam&ids=14998خالد بن عبد الله القسري الأمير ، قتله يوم عيد الأضحى
بالكوفة ، وذلك لأن
خالدا خطب الناس ، فقال في خطبته تلك : أيها الناس ، ضحوا تقبل الله ضحاياكم ، فإني مضح
[ ص: 271 ] nindex.php?page=showalam&ids=14005بالجعد بن درهم ، إنه زعم أن الله لم يتخذ
إبراهيم خليلا ، ولم يكلم
موسى تكليما ، تعالى الله عما يقوله
الجعد علوا كبيرا ، ثم نزل فذبحه في أصل المنبر .
روى ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتابه خلق أفعال العباد ، ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم في كتاب السنة له وغيرهما ، وهو مشهور في كتب التواريخ ، وذلك سنة أربع وعشرين ومائة ، وقد أخذ
الجعد بدعته هذه عن
بيان بن سمعان ، وأخذها
بيان عن
طالوت ابن أخت لبيد بن الأعصم ، وأخذها
طالوت عن خاله
لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنزل الله - تعالى - في ذلك سورة المعوذتين ، ثم تقلد هذا المذهب المخذول ، عن
الجهم بشر بن غياث بن أبي كريمة المريسي المتكلم ، شيخ
المعتزلة وأحد من أضل
nindex.php?page=showalam&ids=15128المأمون ، وجدد القول بخلق القرآن ، ويقال إن أباه كان يهوديا صباغا
بالكوفة ، وروي عنه أقوال شنيعة في الدين من التجهم وغيره ، مات سنة ثماني عشرة ومائتين .
ثم تقلد عن
بشر ذلك المذهب الملعون قاضي المحنة
أحمد بن أبي دواد ، وأعلن بمذهب
الجهمية ، وحمل السلطان على امتحان الناس بالقول بخلق القرآن ، وعلى أن الله لا يرى في الآخرة ، وكان بسببه ما كان على أهل الحديث والسنة من الحبس والضرب والقتل ، وغير ذلك ، وقد ابتلاه الله - تعالى - بالفالج قبل موته بأربع سنين ، حتى أهلكه الله - تعالى - سنة أربعين ومائتين ، ومن أراد الاطلاع على ذلك وتفاصيله ، فليقرأ كتب التواريخ ير العجب .