نمرها صريحة كما أتت مع اعتقادنا لما له اقتضت
من غير تحريف ولا تعطيل وغير تكييف ولا تمثيل
بل قولنا قول أئمة الهدى طوبى لمن بهديهم قد اهتدى
.
أي جميع
الآيات والصفات وأحاديثها ( نمرها صريحة ) أي على
[ ص: 357 ] ظواهرها ( كما أتت ) عن الله - تعالى - وعن رسوله - صلى الله عليه وسلم - - بنقل العدل عن العدل متصلا إلينا ، كالشمس في وقت الظهيرة صحوا ليس دونها سحاب ، ( مع اعتقادنا ) إيمانا وتسليما ( لما له اقتضت ) من أسماء ربنا تبارك وتعالى ، وصفات كماله ، ونعوت جلاله كما يليق بعظمته وعلى الوجه الذي ذكره وأراده ( من غير تحريف ) لألفاظها كمن قال في قوله تعالى : (
وكلم الله موسى تكليما ) ، ( النساء : 164 ) أن التكليم من
موسى ، وأن لفظ الجلالة منصوب على المفعولية فرارا من إثبات الكلام ، كما فعله بعض
الجهمية والمعتزلة ، وقد عرض ذلك على
nindex.php?page=showalam&ids=11948أبي بكر بن عياش ، فقال
أبو بكر : ما قرأ هذا إلا كافر ، قرأت على
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش على
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=17340يحيى بن وثاب على
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبي عبد الرحمن السلمي ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14510أبو عبد الرحمن السلمي على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب ، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب على رسول الله صلى الله عليه وسلم : (
وكلم الله موسى تكليما ) يعني برفع لفظ الجلالة على الفاعلية ، وهو مجمع عليه بين القراء ، روى ذلك
ابن مردويه ، عن
عبد الجبار بن عبد الله ، عن
ابن عياش رحمه الله تعالى .
وروى
ابن كثير أن بعض
المعتزلة قرأ على بعض المشايخ : ( وكلم الله موسى تكليما ) ، فقال له : يا
ابن اللخناء ، كيف تصنع بقوله تعالى : (
ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه ) ، ( الأعراف : 143 ) يعني أن هذا لا يقبل التحريف ، ولا التأويل .
وكما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15658جهم بن صفوان - لعنه الله - في قوله تعالى : (
الرحمن على العرش استوى ) ، ( طه : 5 ) حيث قال : لو وجدت سبيلا إلى حكها لحككتها ، ولأبدلتها استولى . وله في ذلك سلف
اليهود في تحريف الكلم عن مواضعه ، حيث قال - تعالى لهم : (
وادخلوا الباب سجدا وقولوا حطة ) ، ( البقرة : 58 ) ، فدخلوا يزحفون على أستاههم ، وقالوا : حنطة ، فخالفوا ما أمرهم الله به من الدخول سجدا ، وبدلوا قولا غير الذي قيل لهم فكان
[ ص: 358 ] جزاؤهم ما ذكره الله - تعالى - حيث يقول : (
فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا رجزا من السماء بما كانوا يفسقون ) ، ( البقرة : 59 ) ، وجعلهم الله عبرة لمن بعدهم ، فمن فعل كما فعلوا ، فسبيله سبيلهم ، كما مضت سنة الله بذلك : (
أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر ) ، ( القمر : 43 ) .
و ( من غير تحريف ) لمعانيها كما فعله
الزنادقة أيضا ، كتأويلهم نفسه - تعالى - بالغير ، وأن إضافتها إليه كإضافة بيت الله وناقة الله ، فعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى : (
ويحذركم الله نفسه ) ، ( آل عمران : 28 ) أي غيره ، وقوله : (
كتب ربكم على نفسه الرحمة ) ، ( الأنعام : 54 ) أي على غيره ، ويكون قوله - تعالى - عن
عيسى (
تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك ) ، ( المائدة : 116 ) أي ولا أعلم ما في غيرك ، ويكون قوله - تعالى -
لموسى : (
واصطنعتك لنفسي ) ، ( طه : 41 ) أراد واصطنعتك لغيري ، وهذا لا يقوله عاقل ، بل ولا يتوهمه ولا يقوله إلا كافر .
وكتأويلهم وجهه - تعالى - بالنفس مع جحودهم لها كما تقدم ، فانظر لتناقضهم البين ، وهذا يكفي حكايته عن رده ، أما من أثبت النفس وأول الوجه بذلك ، فيقال له : إن الله - تعالى - قال : (
ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ) ، ( الرحمن : 27 ) ، فذكر الوجه مرفوعا على الفاعلية ، ولفظ رب مجرور بالإضافة ، وذكر " ذو " مرفوعا بالتبعية نعتا لـ " وجه " ، فلو كان الوجه هو الذات ، لكانت القراءة " ويبقى وجه ربك ذي الجلال والإكرام " بالياء لا بالواو ، كما قال تعالى : (
تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام ) ، ( الرحمن : 78 ) ، فخفضه لما كان صفة للرب ، فلما كانت القراءة في الآية الأولى بالرفع إجماعا ، تبين أن الوجه صفة للذات ليس هو الذات ، ولما رأى آخرون منهم فساد تأويلهم بالذات أو الغير ، لجئوا إلى طاغوت المجاز ، فعدلوا إلى تأويله به أولى ، وأنه كما يقال : وجه الكلام ، ووجه الدار ، ووجه الثوب ، ونحو ذلك ، فتكلفوا الكذب على الله - تعالى - وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - كل التكلف ، ثم نكسوا على رءوسهم ، فوقعوا فيما فروا منه .
فيقال لهم : أليس الثوب والدار والكلام مخلوقات كلها ، وقد شبهتم وجه الله - تعالى - بذلك ؟ فأين الفكاك والخلاص ، ولات حين مناص : (
وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين ) ، ( فصلت : 23 ) ، وكما أولوا اليد بالنعمة ، واستشهدوا بقول العرب : لك
[ ص: 359 ] يد عندي ، أي نعمة ، فعلى هذا التأويل يكون قوله تعالى : (
بل يداه مبسوطتان ) ، ( المائدة : 64 ) يعني نعمتاه ، فلم يثبتوا لله إلا نعمتين ، والله - تعالى - يقول : (
ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ) ، ( لقمان : 20 ) ، ويكون قوله تعالى : (
لما خلقت بيدي ) ، ( ص : 75 ) أراد بنعمتي ، فأي فضيلة
لآدم على غيره على هذا التأويل ، وهل من أحد لم يخلقه الله بنعمته ؟ ويكون قوله تعالى : (
والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه ) ، ( الزمر : 67 ) أراد : مطويات بنعمته ، فهل يقول هذا عاقل ؟ .
وقال آخرون منهم " بقوته " استشهادا بقوله تعالى : (
والسماء بنيناها بأيد ) ، ( الذاريات : 147 ) أي بقوة ، فيقال لهم : أليس كل مخلوق خلقه الله بقوة ؟ فعلى هذا ما معنى قوله عز وجل : (
ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) وأي فضل
لآدم على إبليس إذ كل منهما خلقه الله بقوته ؟ وما معنى قوله - تعالى - للملائكة : لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ، كمن قلت له كن فكان . أفلم يخلق الملائكة بقوته ، وأي فضل
لآدم عليهم إن لم يكن خلقه الله بيده التي هي صفته ، نبئوني بعلم إن كنتم صادقين .