ولا شك أن الإرجاء بهذا المعنى كفر يخرج صاحبه عن الملة ؛ فإنه لا بد في الإيمان من قول باللسان ، واعتقاد بالجنان ، وعمل بالأركان ، فإذا اختل واحد منها لم يكن الرجل مؤمنا .
وأما الإرجاء الذي نسب إلى بعض الأئمة من أهل الكوفة ؛ كأبي حنيفة وغيره ، وهو قولهم : إن الأعمال ليست من الإيمان ، ولكنهم مع ذلك يوافقون أهل السنة على أن الله يعذب من يعذب من أهل الكبائر بالنار ، ثم يخرجهم منها بالشفاعة وغيرها ، وعلى أنه لا بد في الإيمان من نطق باللسان ، وعلى أن الأعمال المفروضة واجبة يستحق تاركها الذم والعقاب ؛ فهذا النوع من الإرجاء ليس كفرا ، وإن كان قولا باطلا مبتدعا ؛ لإخراجهم الأعمال عن الإيمان .
[ ص: 223 ] فمذهب أهل السنة والجماعة وسط بين نفاة الوعيد من المرجئة وبين موجبيه من القدرية ، فمن مات على كبيرة عندهم ؛ فأمره مفوض إلى الله ، إن شاء عاقبه ، وإن شاء عفا عنه ؛ كما دلت عليه الآية السابقة .
وإذا عاقبه بها ؛ فإنه لا يخلد خلود الكفار ، بل يخرج من النار ، ويدخل الجنة .