( وفي باب أسماء الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة ، وبين المرجئة والجهمية ) .
ش قوله : ( وفي باب أسماء الإيمان . . ) إلخ ؛ كانت مسألة الأسماء والأحكام من أول ما وقع فيه النزاع في الإسلام بين الطوائف المختلفة ، وكان للأحداث السياسية والحروب التي جرت بين علي ومعاوية رضي الله عنهما في ذلك الحين ، وما ترتب عليها من ظهور الخوارج والرافضة والقدرية أثر كبير في ذلك النزاع .
والمراد بالأسماء هنا أسماء الدين ، مثل مؤمن ، ومسلم ، وكافر ، وفاسق . . إلخ .
والمراد بالأحكام أحكام أصحابها في الدنيا والآخرة .
[ ص: 224 ] فالخوارج الحرورية والمعتزلة ذهبوا إلى أنه لا يستحق اسم الإيمان إلا من صدق بجنانه ، وأقر بلسانه ، وقام بجميع الواجبات ، واجتنب جميع الكبائر .
فمرتكب الكبيرة عندهم لا يسمى مؤمنا باتفاق بين الفريقين .
ولكنهم اختلفوا : هل يسمى كافرا أو لا ؟ فالخوارج يسمونه كافرا ، ويستحلون دمه وماله ، ولهذا كفروا عليا ومعاوية وأصحابهما ، واستحلوا منهم ما يستحلون من الكفار .
واتفق الفريقان أيضا على أن من مات على كبيرة ولم يتب منها فهو مخلد في النار .
فوقع الاتفاق بينهما في أمرين :
1 - نفي الإيمان عن مرتكب الكبيرة .
2 - خلوده في النار مع الكفار .
ووقع الخلاف أيضا في موضعين :
أحدهما : تسميته كافرا .
والثاني : استحلال دمه وماله ، وهو الحكم الدنيوي .
وأما المرجئة ؛ فقد سبق بيان مذهبهم ، وهو أنه لا يضر مع الإيمان معصية ؛ فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن كامل الإيمان ، ولا يستحق دخول النار .
[ ص: 225 ] فمذهب أهل السنة والجماعة وسط بين هذين المذهبين ؛ فمرتكب الكبيرة عندهم مؤمن ناقص الإيمان ، قد نقص من إيمانه بقدر ما ارتكب من معصية ، فلا ينفون عنه الإيمان أصلا ؛ كالخوارج والمعتزلة ، ولا يقولون بأنه كامل الإيمان ؛ كالمرجئة والجهمية .
وحكمه في الآخرة عندهم أنه قد يعفو الله عز وجل عنه فيدخل الجنة ابتداء ، أو يعذبه بقدر معصيته ، ثم يخرجه ويدخله الجنة كما سبق ، وهذا الحكم أيضا وسط بين من يقول بخلوده في النار ، وبين من يقول : إنه لا يستحق على المعصية عقابا .