( فالدرجة الأولى : الإيمان بأن الله تعالى عليم بالخلق ، وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا وأبدا ، وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ، ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق ، فأول ما خلق الله القلم قال له : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ، جفت الأقلام ، وطويت الصحف ؛ كما قال تعالى : ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير ، [ ص: 253 ] وقال : ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير وهذا التقدير التابع لعلمه سبحانه يكون في مواضع جملة وتفصيلا : فقد كتب في اللوح المحفوظ ما شاء ، وإذا خلق جسد الجنين قبل نفخ الروح فيه بعث إليه ملكا ، فيؤمر بأربع كلمات ، فيقال له : اكتب : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد ، ونحو ذلك ، فهذا التقدير قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ، ومنكره اليوم قليل .
ش فالدرجة الأولى تتضمن :
أولا : الإيمان بعلمه القديم المحيط بجميع الأشياء ، وأنه تعالى علم بهذا العلم القديم الموصوف به أزلا وأبدا كل ما سيعمله الخلق فيما [ ص: 254 ] لا يزال ، وعلم به جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال .
فكل ما يوجد من أعيان وأوصاف ويقع من أفعال وأحداث فهو مطابق لما علمه الله عز وجل أزلا .
وحكى العلامة ابن القيم في ذلك قولين ، واختار أن العرش مخلوق قبل القلم ، قال في ( النونية ) :
والناس مختلفون في القلم الذي كتب القضاء به من الديان هل كان قبل العرش أو هو بعده قولان عند nindex.php?page=showalam&ids=11881أبي العلا الهمداني والحق أن العرش قبل لأنه وقت الكتابة كان ذا أركان وكتابة القلم الشريف تعقبت إيجاده من غير فصل زمان
وإذا كان القلم قد جرى بكل ما هو كائن إلى يوم القيامة بكل ما يقع من كائنات وأحداث ؛ فهو مطابق لما كتب فيه ، فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه ؛ كما جاء في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما وغيره .
[ ص: 256 ] وهذا التقدير التابع للعلم القديم تارة يكون جملة ؛ كما في اللوح المحفوظ ؛ فإن فيه مقادير كل شيء ، ويكون في مواضع تفصيلا يخص كل فرد ؛ كما في الكلمات الأربع التي يؤمر الملك بكتابتها عند نفخ الروح في الجنين ؛ يكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد .
فهذا تقدير خاص ، وهذا التقدير السابق على وجود الأشياء قد كان ينكره غلاة القدرية قديما ؛ مثل : nindex.php?page=showalam&ids=17115معبد الجهني ، وغيلان الدمشقي ، وكانوا يقولون : إن الأمر أنف .
[ ص: 257 ] ومنكر هذه الدرجة من القدر كافر ؛ لأنه أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، وقد ثبت بالكتاب والسنة والإجماع .