( فلا ينفون عنه ما وصف به نفسه ، ولا يحرفون الكلم عن مواضعه ، ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ، ولا يكيفون ولا يمثلون صفاته بصفات خلقه ) .
ش وقوله : ( فلا ينفون عنه . . إلخ ) تفريع على ما قبله ؛ فإنهم إذا كانوا يؤمنون بالله على هذا الوجه ؛ فلا ينفون ولا يحرفون ، ولا يكيفون ولا يمثلون .
والمواضع : جمع موضع ، والمراد بها المعاني التي يجب تنزيل الكلام عليها ؛ لأنها هي المتبادرة منه عند الإطلاق ، فهم لا يعدلون به عنها .
وأما قوله : ( ولا يلحدون في أسماء الله وآياته ) فقد قال العلامة ابن القيم رحمه الله : ( والإلحاد في أسمائه هو العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها ؛ مأخوذ من الميل ؛ كما يدل عليه مادة ( ل ح د ) ، فمنه اللحد ، وهو الشق في جانب القبر ، الذي قد مال عن الوسط ، ومنه الملحد في الدين : المائل عن الحق ، المدخل فيه ما ليس منه ) . اهـ
فالإلحاد فيها إما أن يكون بجحدها وإنكارها بالكلية ، وإما بجحد معانيها وتعطيلها ، وإما بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق [ ص: 103 ] بالتأويلات الفاسدة ، وإما بجعلها أسماء لبعض المبتدعات ، كإلحاد أهل الاتحاد .
وخلاصة ما تقدم : أن السلف رضي الله عنهم يؤمنون بكل ما أخبر الله به عن نفسه في كتابه ، وبكل ما أخبر به عنه رسوله صلى الله عليه وسلم إيمانا سالما من التحريف والتعطيل ، ومن التكييف والتمثيل ، ويجعلون الكلام في ذات الباري وصفاته بابا واحدا ؛ فإن الكلام في الصفات فرع الكلام في الذات ، يحتذى فيه حذوه ، فإذا كان إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات تكييف ؛ فكذلك إثبات الصفات .
وقد يعبرون عن ذلك بقولهم : ( تمر كما جاءت بلا تأويل ) ، ومن لم يفهم كلامهم ظن أن غرضهم بهذه العبارة هو قراءة اللفظ دون التعرض للمعنى ، وهو باطل ، فإن المراد بالتأويل المنفي هنا هو حقيقة المعنى وكنهه وكيفيته .