ش قوله : ( هو الأول ) الجملة هنا جاءت معرفة الطرفين ؛ فهي تفيد اختصاصه سبحانه بهذه الأسماء الأربعة ومعانيها على ما يليق بجلاله وعظمته ، فلا يثبت لغيره من ذلك شيء .
فهذا تفسير واضح جامع يدل على كمال عظمته سبحانه ، وأنه محيط بالأشياء من كل وجه .
فالأول والآخر : بيان لإحاطته الزمانية .
والظاهر والباطن : بيان لإحاطته المكانية .
كما أن اسمه " الظاهر " يدل على أنه العالي فوق جميع خلقه ، فلا شيء منها فوقه .
فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة ، فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر ، وأحاطت ظاهريته وباطنيته بكل ظاهر وباطن .
فاسمه الأول : دال على قدمه وأزليته .
واسمه الآخر : دال على بقائه وأبديته .
واسمه الظاهر : دال على علوه وعظمته .
واسمه الباطن : دال على قربه ومعيته .
[ ص: 122 ] ثم ختمت الآية بما يفيد إحاطة علمه بكل شيء من الأمور الماضية والحاضرة والمستقبلة ، ومن العالم العلوي والسفلي ، ومن الواجبات والجائزات والمستحيلات ، فلا يغيب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .
فالآية كلها في شأن إحاطة الرب سبحانه بجميع خلقه من كل وجه ، وأن العوالم كلها في قبضة يده كخردلة في يد العبد ، لا يفوته منها شيء ، وإنما أتى بين هذه الصفات بالواو مع أنها جارية على موصوف واحد ؛ لزيادة التقرير والتأكيد ؛ لأن الواو تقتضي تحقيق الوصف المتقدم وتقريره ، وحسن ذلك لمجيئها بين أوصاف متقابلة قد يسبق إلى الوهم استبعاد الاتصال بها جميعا ؛ فإن الأولية تنافي الآخرية في الظاهر ، وكذلك الظاهرية والباطنية ، فاندفع توهم الإنكار بذلك التأكيد .