ش والعلم صفة لله عز وجل بها يدرك جميع المعلومات على ما هي به ، فلا يخفى عليه منها شيء ؛ كما قدمنا .
وفيها إثبات اسمه الحكيم ، وهو مأخوذ من الحكمة ، ومعناه : الذي لا يقول ولا يفعل إلا الصواب ، فلا يقع منه عبث ولا باطل ، بل كل ما يخلقه أو يأمر به فهو تابع لحكمته .
[ ص: 124 ] وقيل : هو من فعيل بمعنى مفعل ، ومعناه : المحكم للأشياء ، من الإحكام : وهو الإتقان ، فلا يقع في خلقه تفاوت ولا فطور ، ولا يقع في تدبيره خلل أو اضطراب .
وفيها كذلك إثبات اسمه الخبير ، وهو من الخبرة ؛ بمعنى كمال العلم ، ووثوقه ، والإحاطة بالأشياء على وجه التفصيل ، ووصول علمه إلى ما خفي ودق من الحسيات والمعنويات .
وقد ذكر سبحانه في هذه الآيات بعض ما يتعلق به علمه ؛ للدلالة على شموله وإحاطته بما لا تبلغه علوم خلقه : فذكر أنه : يعلم ما يلج ؛ أي : يدخل في الأرض من حب وبذر ومياه وحشرات ومعادن ، وما يخرج منها من زرع وأشجار وعيون جارية ومعادن نافعة كذلك ، وما ينزل من السماء من ثلج وأمطار وصواعق وملائكة ، وما يعرج ؛ أي : يصعد ( فيها ) كذلك من ملائكة وأعمال وطير صواف . . إلى غير ذلك مما يعلمه جل شأنه .
وذكر فيها أيضا أن عنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ، ومفاتح الغيب ؛ قيل : خزائنه ، وقيل : طرقه وأسبابه التي يتوصل بها إليه ، جمع مفتح ؛ بكسر الميم ، أو مفتاح ؛ بحذف ياء مفاعيل .
[ ص: 125 ] وقد دلت الآيتان الأخيرتان على أنه سبحانه عالم بعلم هو صفة له ، قائم بذاته ؛ خلافا للمعتزلة الذين نفوا صفاته ، فمنهم من قال : إنه عالم بذاته ، وقادر بذاته . . إلخ ، ومنهم من فسر أسماءه بمعان سلبية ، فقال : عليم ؛ معناه : لا يجهل ، وقادر ؛ معناه : لا يعجز . . إلخ .
وهذه الآيات حجة عليهم ، فقد أخبر فيها سبحانه عن إحاطة علمه بحمل كل أنثى ووضعها من حيث المعنى والكيف ؛ كما أخبر عن عموم قدرته ، وتعلقها بكل ممكن ، وعن إحاطة علمه بجميع الأشياء .
وما أحسن ما قاله الإمام عبد العزيز المكي في كتابه ( الحيدة ) nindex.php?page=showalam&ids=15211لبشر المريسي المعتزلي وهو يناظره في مسألة العلم : [ ص: 126 ] ( إن الله عز وجل لم يمدح في كتابه ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا ولا مؤمنا تقيا بنفي الجهل عنه ؛ ليدل على إثبات العلم له ، وإنما مدحهم بإثبات العلم لهم ، فنفى بذلك الجهل عنهم . . فمن أثبت العلم نفى الجهل ، ومن نفى الجهل لم يثبت العلم ) .
ولأن من المخلوقات من هو عالم ، والعلم صفة كمال ، فلو لم يكن الله عالما ؛ لكان في المخلوقات من هو أكمل منه .
وكل علم في المخلوق إنما استفاده من خالقه ، وواهب الكمال أحق به ، وفاقد الشيء لا يعطيه .
[ ص: 127 ] وأنكرت الفلاسفة علمه تعالى بالجزئيات ، وقالوا : إنه يعلم الأشياء على وجه كلي ثابت ، وحقيقة قولهم أنه لا يعلم شيئا ؛ فإن كل ما في الخارج هو جزئي .
كما أنكر الغلاة من القدرية علمه تعالى بأفعال العباد حتى يعملوها ؛ توهما منهم أن علمه بها يفضي إلى الجبر ، وقولهم معلوم البطلان بالضرورة في جميع الأديان .