وينفي الأشاعرة والمعتزلة صفة المحبة ؛ بدعوى أنها توهم نقصا ؛ إذ المحبة في المخلوق معناها ميله إلى ما يناسبه أو يستلذه .
[ ص: 135 ] فأما الأشاعرة ؛ فيرجعونها إلى صفة الإرادة ، فيقولون : إن محبة الله لعبده لا معنى لها إلا إرادته لإكرامه ومثوبته .
وكذلك يقولون في صفات الرضا والغضب والكراهية والسخط ؛ كلها عندهم بمعنى إرادة الثواب والعقاب .
وأما المعتزلة ؛ فلأنهم لا يثبتون إرادة قائمة به ، فيفسرون المحبة بأنها نفس الثواب الواجب عندهم على الله لهؤلاء ؛ بناء على مذهبهم في وجوب إثابة المطيع وعقاب العاصي .
وأما قوله : إن الله يحب المحسنين فهو تعليل للأمر بالإحسان ، فإنهم إذا علموا أن الإحسان موجب لمحبته ؛ سارعوا إلى امتثال الأمر به .
وأما قوله في الآية الثانية : ( وأقسطوا ) ؛ فهو أمر بالإقساط ، وهو العدل في الحكم بين الطائفتين المتنازعتين من المؤمنين ، وهو من قسط إذا جار ، فالهمزة فيه للسلب ، ومن أسمائه تعالى : المقسط .
[ ص: 137 ] وفي الآية الحث على العدل وفضله ، وأنه سبب لمحبة الله عز وجل .
وأما قوله تعالى : فما استقاموا لكم فاستقيموا لهم ؛ فمعناه : إذا كان بينكم وبين أحد عهد كهؤلاء الذين عاهدتموهم عند المسجد الحرام ؛ فاستقيموا لهم على عهدهم مدة استقامتهم لكم ، فـ ( ما ) هنا مصدرية ظرفية .
ثم علل ذلك الأمر بقوله : إن الله يحب المتقين ؛ أي : يحب الذين يتقون الله في كل شيء ، ومنه عدم نقض العهود .
وأما قوله : إن الله يحب التوابين . . إلخ ؛ فهو إخبار من الله سبحانه وتعالى عن محبته لهذين الصنفين من عباده .
أما الأول : فهم التوابون ؛ أي : الذين يكثرون التوبة والرجوع إلى الله عز وجل بالاستغفار مما ألموا به على ما تقتضيه صيغة المبالغة ، فهم بكثرة التوبة قد تطهروا من الأقذار والنجاسات المعنوية التي هي الذنوب والمعاصي .
وأما الثاني : فهم المتطهرون الذين يبالغون في التطهر ، وهو التنظيف بالوضوء أو بالغسل من الأحداث والنجاسات الحسية ، وقيل : المراد بالمتطهرين هنا الذين يتنزهون من إتيان النساء في زمن الحيض أو في أدبارهن ، والحمل على العموم أولى .
وأما قوله : قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ؛ فقد روي عن الحسن في سبب نزولها أن قوما ادعوا أنهم يحبون الله ، فأنزل [ ص: 138 ] الله هذه الآية محنة لهم .
وفي هذه الآية قد شرط الله لمحبته اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلا ينال تلك المحبة إلا من أحسن الاتباع والاستمساك بهديه عليه السلام .