والنصوص في إثبات الوجه من الكتاب والسنة لا تحصى كثرة ، وكلها تنفي تأويل المعطلة الذين يفسرون الوجه بالجهة أو الثواب أو الذات ، والذي عليه أهل الحق أن الوجه صفة غير الذات ، ولا يقتضي إثباته كونه تعالى مركبا من أعضاء ، كما يقوله المجسمة ، بل هو صفة لله على ما يليق به ، فلا يشبه وجها ولا يشبهه وجه .
واستدلت المعطلة بهاتين الآيتين على أن المراد بالوجه الذات ؛ إذ لا خصوص للوجه في البقاء وعدم الهلاك .
ونحن نعارض هذا الاستدلال بأنه لو لم يكن لله عز وجل وجه على الحقيقة لما جاء استعمال هذا اللفظ في معنى الذات ؛ فإن اللفظ الموضوع لمعنى لا يمكن أن يستعمل في معنى آخر إلا إذا كان المعنى الأصلي ثابتا للموصوف ، حتى يمكن للذهن أن ينتقل من الملزوم إلى لازمه .
على أنه يمكن دفع مجازهم بطريق آخر ؛ فيقال : إنه أسند البقاء إلى الوجه ، ويلزم منه بقاء الذات ؛ بدلا من أن يقال : أطلق الوجه وأراد الذات .
[ ص: 148 ] وقد ذكر البيهقي نقلا عن الخطابي أنه تعالى لما أضاف الوجه إلى الذات ، وأضاف النعت إلى الوجه ، فقال : ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ؛ دل على أن ذكر الوجه ليس بصلة ، وأن قوله : ذو الجلال والإكرام صفة للوجه ، والوجه صفة للذات .