ش وقوله : ( يا عيسى ) . . إلخ ؛ هذه الآيات جاءت مؤيدة لما دلت عليه الآيات السابقة من علوه تعالى وارتفاعه فوق العرش مباينا للخلق ، [ ص: 176 ] وناعية على المعطلة جحودهم وإنكارهم لذلك ، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا .
ففي الآية الأولى ينادي الله رسوله وكلمته عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام بأنه متوفيه ورافعه إليه حين دبر اليهود قتله ، والضمير في قوله : ( إلي ) هو ضمير الرب جل شأنه ، لا يحتمل غير ذلك ، فتأويله بأن المراد : إلى محل رحمتي ، أو مكان ملائكتي . . إلخ لا معنى له .
ومثل ذلك يقال أيضا في قوله سبحانه ردا على ما ادعاه اليهود من قتل عيسى وصلبه : بل رفعه الله إليه .
وقد اختلف في المراد بالتوفي المذكور في الآية ، فحمله بعضهم على الموت ، والأكثرون على أن المراد به النوم ، ولفظ المتوفى يستعمل فيه ؛ قال تعالى : وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار .
ومنهم من زعم أن في الكلام تقديما وتأخيرا ، وأن التقدير : إني رافعك ومتوفيك ؛ أي : مميتك بعد ذلك .
والحق أنه عليه السلام رفع حيا ، وأنه سينزل قرب قيام الساعة ؛ لصحة الحديث بذلك .
وأما قوله سبحانه حكاية عن فرعون : ( يا هامان ) . . إلخ ؛ فهو دليل على أن موسى عليه السلام أخبر فرعون الطاغية بأن إلهه في السماء ، فأراد أن يتلمس الأسباب للوصول إليه تمويها على قومه ، فأمر وزيره هامان أن يبني له الصرح ، ثم عقب على ذلك بقوله : ( وإني لأظنه ) ؛ أي : موسى ( كاذبا ) فيما أخبر به من كون إلهه في السماء ، فمن إذا أشبه بفرعون وأقرب إليه نسبا ؛ نحن أم هؤلاء المعطلة ؟ ! إن فرعون كذب موسى في كون إلهه في السماء ، وهو نفس ما يقوله هؤلاء .
قوله : ( أأمنتم ) . . إلخ ؛ هاتان الآيتان فيهما التصريح بأن الله عز وجل في السماء ، ولا يجوز حمل ذلك على أن المراد به العذاب ، أو الأمر ، [ ص: 178 ] أو الملك ؛ كما يفعل المعطلة ؛ لأنه قال : ( من ) ، وهي للعاقل ، وحملها على الملك إخراج اللفظ عن ظاهره بلا قرينة توجب ذلك .
ولا يجوز أن يفهم من قوله : ( في السماء ) أن السماء ظرف له سبحانه ؛ بل إن أريد بالسماء هذه المعروفة ؛ فـ ( في ) بمعنى على ؛ كما في قوله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل ، وإن أريد بها جهة العلو ؛ فـ ( في ) على حقيقتها ؛ فإنه سبحانه في أعلى العلو .