ش قوله : وإن أحد من المشركين . . إلخ ؛ هذه الآيات الكريمة تفيد أن القرآن المتلو المسموع المكتوب بين دفتي المصحف هو كلام الله [ ص: 187 ] على الحقيقة ، وليس فقط عبارة أو حكاية عن كلام الله ؛ كما تقول الأشعرية .
وإضافته إلى الله عز وجل تدل على أنه صفة له قائمة به ، وليست كإضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة معنى إلى الذات ، تدل على ثبوت المعنى لتلك الذات ؛ بخلاف إضافة البيت أو الناقة ؛ فإنها إضافة أعيان ، وهذا يرد على المعتزلة في قولهم : إنه مخلوق منفصل عن الله .
ودلت هذه الآيات أيضا على أن القرآن منزل من عند الله ، بمعنى أن الله تكلم به بصوت سمعه جبريل عليه السلام ، فنزل به ، وأداه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سمعه من الرب جل شأنه .
وخلاصة القول في ذلك : أن القرآن العربي كلام الله ، منزل ، غير مخلوق ، منه بدأ ، وإليه يعود ، والله تكلم به على الحقيقة ، فهو كلامه حقيقة لا كلام غيره ، وإذا قرأ الناس القرآن أو كتبوه في المصاحف لم يخرجه ذلك عن أن يكون كلام الله ؛ فإن الكلام إنما يضاف حقيقة إلى من قاله مبتدئا ، لا إلى من بلغه مؤديا ، والله تكلم بحروفه ومعانيه بلفظ نفسه ، ليس شيء منه كلاما لغيره ، لا لجبريل ، ولا لمحمد ، ولا لغيرهما ، والله تكلم به أيضا بصوت نفسه ، فإذا قرأه العباد قرءوه بصوت أنفسهم ، فإذا قال القارئ مثلا : الحمد لله رب العالمين ؛ كان هذا الكلام المسموع منه كلام الله ، لا كلام نفسه ، وكان هو قرأه بصوت نفسه لا بصوت الله .
ويراد به هنا أن يكون علما على هذا المنزل من عند الله ، المكتوب بين دفتي المصحف ، المتعبد بتلاوته ، المتحدى بأقصر سورة منه .
وقوله : قل نزله روح القدس من ربك بالحق يدل أن ابتداء نزوله من عند الله عز وجل ، وأن روح القدس جبريل عليه السلام تلقاه عن الله سبحانه بالكيفية التي يعلمها .