فصل
ونحن نقول قولا كليا نشهد الله تعالى عليه وملائكته أنه
ليس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يخالف القرآن ولا ما يخالف العقل الصريح ، بل كلامه بين للقرآن وتفسير له وتفصيل لما أجمله ، وكل حديث من رد الحديث لزعمه أنه يخالف القرآن فهو موافق للقرآن مطابق له ، وغايته أن يكون زائدا على ما في القرآن ، وهذا الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبوله ونهى عن رده بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347584لا ألفين أحدكم متكئا على أريكته يأتيه الأمر من أمري فيقول : لا أدري ، ما وجدناه في كتاب الله اتبعناه " ، فهذا الذي وقع من
[ ص: 613 ] وضع قاعدة باطلة له لرد الأحاديث بها بقولهم في كل حديث زائد على ما في القرآن : هذا زيادة على النص ، فيكون نسخا ، والقرآن لا ينسخ بالسنة ، فهذا بعينه هو الذي حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ونهاهم عنه ، وأخبرهم أن الله تعالى أوحى إليه الكتاب ومثله معه ، فمن رد السنة الصحيحة بغير سنة تكون مقاومة لها متأخرة عنها ناسخة لها ، فقد رد على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورد وحي الله .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن الله تعالى وضع نبيه صلى الله عليه وسلم من كتابه ودينه بالموضع الذي أبان في كتابه الفرض على خلقه أن يكونوا عالمين بأنه لا يقول إلا بما أنزل إليه ، وأنه لا يخالف كتاب الله ، وأنه بين عن الله تعالى ما أراد الله ، قال : وبيان ذلك في كتاب الله ، قال الله تعالى :
وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا إلى قوله :
إن أتبع إلا ما يوحى إلي ومثل هذا في غير آية ، أخبرنا
الداروردي عن
عمرو عن
nindex.php?page=showalam&ids=15255المطلب بن حنطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "
ما تركت شيئا مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به ، ولا تركت شيئا مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه " .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : فرض الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم أن يتبع ما أوحي إليه وقال : لا ينكر الناس علي بشيء ، فإني لا أحل لهم إلا ما أحل الله ، ولا أحرم عليهم إلا ما حرم الله ، وكذلك صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبذلك أمر أن يتبع ما أوحي اتباع سنته فيه ، فمن قبل منه فإنما قبل بفرض الله ، قال الله تعالى :
وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال تعالى :
فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما .
وقال الإمام
أحمد : من رد حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شفى هلكة ، وقال تعالى :
فليحذر الذين يخالفون عن أمره الآية ، وأي فتنة إنما هي الكفر .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : قال الله تعالى :
أيحسب الإنسان أن يترك سدى فلم
[ ص: 614 ] يختلف أهل العلم بالقرآن فيما علمت أن
السدى : هو الذي لا يؤمر ولا ينهى ومن أفتى أو حكم بما لم يؤمر به فقد أجاز لنفسه أن يكون في معنى
السدى ( قال ) : وقد جعل الله الحق في كتابه ثم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم فليست تنزل بأحد نازلة إلا والكتاب يدل عليها نصا أو جملة ، ثم ذكر بعض ما حرم الله تفصيلا ( قال ) : والجملة ما فرض الله من صلاة وزكاة وحج ، فدل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف الصلاة وعددها ووقتها والعمل فيها ، وكيف الزكاة وفي أي المال وفي أي وقت هي وكم قدرها وكيف الحج والعمل فيه وما يدخل به فيه ويخرج به منه .
وقد صنف
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد كتابا سماه كتاب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم رد فيه على من احتج بظاهر القرآن وترك ما فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم ودل على معناه ، رواه عنه ابنه
صالح ، قال في أوله : إن الله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه بعث
محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ، وأنزل عليه كتابا هاديا له ولمن تبعه ، وجعل رسوله صلى الله عليه وسلم الدال على ما أراد من ظاهره وباطنه ، وخاصه وعامه وناسخه ومنسوخه ، وما قصد به الكتاب ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المعبر عن كتاب الله الدال على معانيه وشاهده في ذلك أصحابه ، ونقلوا ذلك عنه ، وكانوا هم المعبرين عن ذلك بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347586وقال nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله : ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا ، عليه ينزل القرآن وهو يعرف تأويله ، وما عمل به من شيء علمنا .
وقال قوم : بل نستعمل الظاهر ، وتركوا الاستدلال برسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقبلوا أخبار أصحابه ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس للخوارج : أتيتكم من عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المهاجرين والأنصار ومن عند ابن عم رسول الله وصهره وعليهم نزل القرآن ، وهم أعلم بتأويله منكم ، وليس فيكم منهم أحد ، ثم ساق النصوص الموجبة لمتابعة الرسول ، ثم ذكر الآيات التي فسرت السنة مجملها .
والمقصود أن أئمة الإسلام جميعهم على هذه الطريقة ، الأخذ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صح ، ولم يأت بعده حديث آخر بنسخه ، سواء عرفوا من عمل به أم لا ، وسواء عمل الناس بخلافه أو بوفاقه ، فلا يتركون الحديث لعمل أحد ، لا يتوقفون في قبوله على عمل أحد ، ولا يعارضونه بالقرآن ولا بالإجماع ويعلمون أن هذه المعارضة من أبطل الباطل .