التاسع : أن يقال : ذكر العين المفردة مضافة إلى الضمير المفرد ، والأعين مجموعة مضاف إلى ضمير الجمع ،
وذكر العين مفردة لا يدل على أنها عين واحدة ليس إلا كقولك : أفعل هذا على عيني وأحبك على عيني ، ولا يريد أن له عينا واحدة ، وإنما إذا أضيفت العين إلى اسم الجمع ظاهرا ومضمرا ، فالأحسن جمعه مشاكلة للفظ ، كقوله : (
تجري بأعيننا ) وقوله : (
واصنع الفلك بأعيننا ) وهذا نظير
[ ص: 38 ] المشاكلة في لفظ اليد المضافة إلى المفرد : (
بيده الملك ) (
بيدك الخير ) وإن أضيفت إلى ضمير جمع جمعت : كقوله : (
أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما ) وكذلك إضافة اليد والعين إلى اسم الجمع الظاهر كقوله : (
بما كسبت أيدي الناس ) وقوله : (
فأتوا به على أعين الناس ) .
وقد نطق الكتاب والسنة بذكر اليد مضافة إليه بلفظ مفردة ، مجموعة ومثناة ، وبلفظ العين مضافة إليه مفردة ومجموعة ، ونطقت السنة بإضافتها إليه مثناة كما قال
عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبى هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم : "
إن العبد إذا قام في الصلاة قام بين عيني الرحمن ، فإذا التفت قال له ربه : إلى من تلفت ، إلى خير لك مني " ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10347167إن ربكم ليس بأعور " صريح بأنه ليس المراد إثبات عين واحدة ، فإن ذلك عور ظاهر ، تعالى الله عنه ، وهل يفهم من قول الداعي : " اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام " أنها عين واحدة ليس إلا إلا ذهن أقلف وقلب أغلف .
قال
ابن تميم : حدثنا
عبد الجبار بن كثير قال : قيل
nindex.php?page=showalam&ids=12358لإبراهيم بن أدهم : هذا السبع ، فنادى يا قسورة إن كنت أمرت فينا بشيء وإلا بعيني فاذهب ، فضرب بذنبه وولى مدبرا ، فنظر
إبراهيم إلى أصحابه وقال : قولوا : اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام ، واكنفنا بكنفك الذي لا يرام ، وارحمنا بقدرتك علينا ، لا نهلك وأنت الرجاء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14274عثمان الدارمي : الأعور ضد البصير بالعينين .
[ ص: 39 ] وقد استدل السلف على
إثبات العينين له تعالى بقوله : (
تجري بأعيننا ) ، وممن صرح بذلك إثباتا واستدلالا
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري في كتبه كلها ، فقال في كتاب المقالات والإبانة ، والموجز ، وهذا لفظه فيها : وأن له عينين بلا كيف كما قال : (
تجري بأعيننا ) فهذا
الأشعري وغيره لم يفهموا من الأعين أعينا كثيرة ، ولا من الأيدي أياد كثيرة على شق واحد .
ولما رد أهل السنة تأويل الجاهلين لم يقدر
الجهمية على أخذ الثأر منهم إلا بأن سموهم مشبهة ، ممثلة ، مجسمة ، حشوية ، ولو كان لهؤلاء عقول لعلموا أن التلقيب بهذه الألقاب ليس لهم ، وإنما هو لمن جاء بهذه النصوص وتكلم بها ، ودعا الأمة إلى الإيمان بها ، ونهاهم عن تحريفها وتبديلها ، ولو كان خصومكم كما زعمتم وحاشاهم مشبهة ممثلة مجسمة لكانوا أقل تنقصا لرب العالمين منكم وكتابه وأسمائه وصفاته بكثير ، لو كان قولهم يقتضي التنقيص ، فكيف وهو لا يقتضيه لو صرحوا به فإنهم يقولون : نحن أثبتنا له غاية الكمال ونعوت الجلال ووصفناه بكل صفة كمال ، فإن لزم من هذا تجسيم وتشبيه لم يكن هذا نقضا ولا عيبا بوجه من الوجوه ، فإن لازم الحق حق ، وما لزم من إثبات كمال الرب ليس بنقص .
وأما أنتم فنفيتم عنه صفات الكمال ، ولا ريب أن لازم هذا النفي وصفه بأضدادها من العيوب والنقائص ، فما سوى الله ولا رسوله ولا عقلاء عباده بين من نفى كماله المقدس حذرا من التجسيم ، وبين من أثبت كماله الأعظم وصفاته العلى بلوازم ذلك ، كائنة ما كانت .
فلو فرضنا في هذه الأمة من يقول : له سمع كسمع المخلوق وبصر كبصره ويد كيده ، لكان أدنى إلى الحق ممن يقول : لا سمع ولا بصر ولا يد ، ولو فرضنا قائلا يقول : إنه متحيز على عرشه ، تحيط به الحدود والجهات لكان أقرب إلى الصواب من قول من يقول : ليس فوق العرش إله يعبد ولا ترفع إليه الأيدي ولا يصعد إليه شيء ، ولا هو فوق خلقه ولا محايثهم ولا مباينهم ، فإن هذا معطل مكذب لله راد على الله ورسوله ، وذلك المشبه غالط مخطئ في فهمه ، فالمشبه على زعمكم الكاذب لم يشبهه تنقصا له وجحدا لكماله ، بل ظنا أن إثبات الكمال لا يمكن إلا بذلك ، فقابلتموه بتعطيل كماله ، وذلك غاية التنقيص .