وأما
فروعه وشرائعه فهم مخالفون للمسيح في جميعها ، وأكثر ذلك بشهادتهم وإقرارهم ولكن يحيلون على البتاركة والأساقفة ، فإن
المسيح صلوات الله وسلامه عليه كان يتدين بالطهارة ، ويغتسل من الجنابة ، ويوجب غسل الحائض ، وطوائف
النصارى عندهم أن ذلك كله غير واجب ، وأن الإنسان يقوم من على بطن المرأة يبول ويتغوط ولا يمس ماء ولا يستنجي ، والبول والنجو ينحدر على ساقه وفخذه ويصلي
[ ص: 484 ] كذلك وصلاته صحيحة تامة ، ولو تغوط وبال وهو يصلي لم يضره ، فضلا عن أن يفسو ويضرط .
ويقولون : إن الصلاة بالبول والغائط أفضل من الصلاة بالطهارة ، لأنها حينئذ أبعد من صلاة المسلمين
واليهود وأقرب إلى مخالفة الأمتين .
ويستفتح الصلاة بالتصليب بين عينيه ، وهذه الصلاة رب العالمين بريء منها ، وكذلك
المسيح وسائر
الحواريين المبينين ، فإن هذا بالاستهزاء أشبه منها بالعبادة ، وحاشا
المسيح أن تكون هذه صلاته أو صلاة أحد من
الحواريين .
والمسيح كان يقرأ في صلاته ما كان الأنبياء
وبنو إسرائيل يقرءون في صلاتهم من التوراة ، والزبور .
وطوائف
النصارى إنما يقرءون في صلاتهم كلاما قد لحنه لهم الذين يتقدمون ويصلون بهم ، يجري مجرى النوح والأغاني ، فيقولون : هذا قداس فلان ينسبونه إلى الذين وضعوه لهم .
وهم يصلون إلى الشرق ، وما صلى
المسيح إلى الشرق قط ، وما صلى إلى أن توفاه الله إلا إلى
بيت المقدس ، وهي قبلة
داود والأنبياء قبله ، وقبلة
بني إسرائيل .
والمسيح اختتن وأوجب الختان كما أوجبه
موسى وهارون والأنبياء قبله .
والمسيح حرم الخنزير ، ولعن آكله ، وبالغ في ذمه -
والنصارى تصر بذلك - ولقد
[ ص: 485 ] رفع إلى الله وما طعم من لحمه وزن شعيرة ،
والنصارى تتقرب إليه بأكله .
والمسيح ما شرع لهم هذا الصوم الذي يصومونه قط ، ولا صامه في عمره مرة واحدة ، ولا أحد من أصحابه ، لا صام العذارى في عمره ، ولا أكل في الصوم ما يأكلونه ، ولا حرم ما يحرمونه ، ولا عطل السبت يوما واحدا حتى لقي الله ، ولا اتخذ الأحد عيدا قط .
والنصارى تقر أنه رقى
مريم المجدلانية فأخرج منها سبع شياطين ، وأن الشياطين قالت له : أين تأوي ؟ فقال لها : اسلكي هذه الدابة النجسة يعني الخنزير . فهذه حكاية
النصارى عنه .
وهم
يزعمون أن الخنزير من أطهر الدواب وأجملها ، وأطيبها .
والمسيح سائر في الذبائح والمناكح والطلاق والمواريث سيرة الأنبياء قبله ، وليس عند
النصارى على من زنى أو لاط أو سكر حد في الدنيا أبدا ، ولا عذاب في الآخرة ، لأن القس والراهب يغفره لهم ، فكلما أذنب أحدهم ذنبا أهدى للقس هدية وأعطاه درهما أو غيرها ليغفر له ، وإذا أذنبت امرأة أحدهم بيتها عند القس ليطيبها له ، فإذا انصرفت من عنده وأخبرت زوجها أن القس طيبها ، قبل ذلك منها وتبرك به .
وهم يقرون أن
المسيح قال : إنما جئتكم لأعمل بالتوراة وبوصايا الأنبياء قبلي ، وما جئت ناقضا بل متمما ، ولأن تقع السماء على الأرض أيسر على الله من أن أنقض شيئا من شريعة
موسى ، ومن نقض شيئا من ذلك يدعى ناقضا في ملكوت السماء .
وما زال هو وأصحابه كذلك إلى أن خرج من الدنيا ، وقال لأصحابه : اعملوا بما رأيتموني أعمل ، ووصوا الناس بما وصيتكم به ، وكونوا معهم كما كنت معكم ، وكونوا لهم كما كنت لكم .