وفي الإنجيل : إن
المسيح حين خرج من
السامرية ولحق
بجلجال قال : لم يكرم أحد من الأنبياء في وطن ، فلم يزد على دعوى النبوة .
[ ص: 495 ] وفي إنجيل
لوقا : لم يقبل أحد من الأنبياء في وطنه ، فكيف تقبلونني ، وفي إنجيل
مرقس : أن رجلا أقبل إلى
المسيح وقال : أيها المعلم الصالح ، أي خير أعمل لأنال الحياة الدائمة ؟ فقال له
المسيح : لم قلت صالحا ؟ إنما الصالح الله وحده ، وقد عرفت الشروط ، لا تسرق ولا تزن ولا تشهد بالزور ولا تخن ، وأكرم أباك وأمك .
وفي إنجيل
يوحنا :
أن اليهود لما أرادوا قبضه رفع بصره إلى السماء ، وقال : قد دنا الوقت يا إلهي فشرفني لديك ، واجعل لي سبيلا أن أملك كل من ملكتني الحياة الدائمة . وإنما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك إلها واحدا
وبالمسيح الذي بعثت ، وقد عظمتك على أهل الأرض ، واحتملت الذي أمرتني به فشرفني .
فلم يدع سوى أنه عبد مرسل مأمور مبعوث ، وفي إنجيل
متى : لا تنسبوا أباكم على الأرض فإن أباكم واحد الذي في السماء وحده ، ولا تدعوا معلمين فإنما معلمكم
المسيح وحده .
والآب في لغتهم الرب المربي ، أي لا تقولوا : إلهكم وربكم في الأرض ، ولكنه في السماء ، ثم أنزل نفسه المنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه ، وهو أن غايته أنه يعلم في الأرض ، وإلههم هو الذي في السماء .
وفي إنجيل
لوقا ، حين دعا الله فأحيا ولد المرأة ، فقالوا : إن هذا النبي لعظيم ، وإن الله قد تفقد أمته .
[ ص: 496 ] وفي إنجيل
يوحنا أن
المسيح أعلى صوته في البيت ، وقال
لليهود : قد عرفتموني وموضعي ، ولم آت من ذاتي ، وقد بعثني الحق وأنتم تجهلونه ، فإن قلت إني أجهله كنت كاذبا مثلكم ، وأنا أعلم أني منه وهو بعثني .
فما زاد في دعواه على ما ادعاه الأنبياء فأمسكت المثلثة قوله : إني منه ، وقالوا : إله حق من إله حق ، وفي القرآن :
رسول من الله ، وقال
هود :
ولكني رسول من رب العالمين ، وكذلك قال
صالح ! ولكن أمة الضلال كما أخبر الله عنهم يتبعون المتشابه ويردون المحكم . وفي الإنجيل أيضا أنه قال
لليهود ، وقد قالوا له :
نحن أبناء الله فقال : لو كان أباكم لأطعتموني لأني رسول منه ، خرجت مقبلا ، ولم أقبل من ذاتي ، ولكن هو بعثني ، ولكنكم لا تقبلون وصيتي ، وتعجزون عن سماع كلامي ، إنما أنتم أبناء الشيطان ، وتريدون إتمام شهواته .
وفي الإنجيل أن
اليهود حاطت به ، وقالت له : إلى متى تخفي أمرك إن كنت
المسيح الذي ننتظره فأعلمناه بذلك ؟
ولم تقل إن كنت الله أو ابن الله ، فإنه لم يدع ذلك ، ولا فهمه عنه أحد من أعدائه ولا أتباعه .
وفي الإنجيل أيضا : أن
اليهود أرادوا القبض عليه فبعثوا الأعوان وأن الأعوان رجعوا إلى قوادهم ، فقالوا لهم : لم لم تأخذوه ؟ فقالوا : ما سمعنا آدميا أنصف منه ،
[ ص: 497 ] فقالت
اليهود : وأنتم أيضا مخدوعون ، أترون أنه آمن به أحد من القواد ومن رؤساء أهل الكتاب ؟ فقال لهم بعض أكابرهم : أترون كتابكم يحكم على أحد قبل أن يسمع منه ؟ فقالوا له : اكشف الكتب ترى أنه لا يجيء من جلجال نبي . فما قالت
اليهود ذلك إلا وقد أنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه أنه نبي ، ولو علمت من دعواه الإلهية لذكرت ذلك له وأنكرته عليه ، وكان أعظم أسباب التنفير عن طاعته ، لأن كذبه كان يعلم بالحس والعقل والفطرة واتفاق الأنبياء .