وإن
أوجبتم له الإلهية بقوله في السفر الثالث من أسفر الملوك : والآن يا رب إله إسرائيل ، يتحقق كلامك
لداود لأنه حق أن يكون آية ، سيسكن الله مع الناس على الأرض ، اسمعوا أيتها الشعوب كلكم ، ولتنصت الأرض وكل من فيها ، فيكون الرب عليهم شاهدا ، ويخرج من موضعه ، وينزل ويطأ على مشارق الأرض في شأن خطيئة
بني يعقوب .
قيل لكم : هذا السفر يحتاج أولا إلى أن يثبت ، وأن الذي تكلم به نبي ، وأن هذا لفظه ، وأن الترجمة مطابقة له وليس ذلك بمعلوم . وبعد ذلك فالقول في هذا الكلام كالقول في نظيره مما ذكرتموه وما لم تذكروه وليس في هذا الكلام ما يدل على أن
المسيح خالق السماوات والأرض كأنه إله غير مصنوع ولا مخلوق ، وإن قوله :
[ ص: 522 ] إن الله سيسكن مع الناس في الأرض ، هو مثل كونه معهم ، وإذا صار في الأرض نوره وهداه ودينه ونبيه كانت هذه سكناه ، لا أنه بذاته المقدسة ينزل عن عرشه ويسكن مع أهل الأرض ، ولو قدر تقدير المحالات أن ذلك واقع لم يلزم أن يكون هو
المسيح ، فقد سكن الرسل والأنبياء قبله وبعده فما الموجب لأن يكون
المسيح هو الإله دون إخوانه من المرسلين ، أترى ذلك للقوة والسلطان الذي كان له وهو في الأرض ، وقد قلتم إنه قبض عليه وفعل به ما فعل من غاية الإهانة والإذلال والقهر ، فهذا ثمرة سكناه في الأرض مع خلقه ؟
وإن قلتم : سكناه في الأرض مع خلقه هو ظهوره في ناسوت
المسيح ، قيل لكم : أما الظهور الممكن المعقول وهو ظهور محبته ومعرفته ودينه وكلامه ، فهذا لا فرق فيه بين ناسوت
المسيح وناسوت سائر الأنبياء والمرسلين ، وليس في هذا اللفظ على هذا التقدير ما يدل على اختصاصه بناسوت
المسيح .
وأما الظهور المستحيل الذي تأباه العقول والفطر والشرائع وجميع النبوات ، وهو ظهور ذات الرب في ناسوت مخلوق من مخلوقاته ، واتحاده به وامتزاجه واختلاطه فهذا محال عقلا وشرعا ، فلا يمكن أن تنطق به نبوة أصلا ، بل النبوات من أولها إلى آخرها متفقة على أصول :