هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
ثم إن اليهود عندهم من الاختلاف في أمره ما يدل على عدم يقينهم بشيء من أخباره ، فمنهم من يقول : إنه كان رجلا منهم ويعرفون أباه وأمه ، وينسبونه لزانية ، وحاشاه وحاشا أمه الصديقة الطاهرة البتول ، التي لم يقرعها فحل قط ، قاتلهم الله أنى يؤفكون ، ويسمون أباه للزانية البنديرا الرومي ، وأمه مريم الماشطة ، ويزعمون أن زوجها يوسف بن يهودا وجد البنديرا عندها على فراشها أو شعر بذلك فهجرها وأنكر ابنها .

ومن اليهود لعنهم الله من رغب عن هذا القول وقالوا : إنما أبوه يوسف بن يهودا الذي كان زوجا لمريم ، ويذكرون أن السبب في استفاضة اسم الزنيم عليه : أنه بينا هو يوما مع معلمه يهشوع بن برضيا وسائر التلاميذ فنزلوا في سفر موضعا ، وجاءت امرأة من أهله وجعلت تبالغ في إكرامهم ، فقال يهشوع : ما أحسن هذه المرأة ؟ يريد أفعالها ، فقال عيسى - بزعمهم - لولا عمش في عينها ، فصاح يهشوع وقال : ممزار - ترجمته : يا زنيم - أتزني بالنظر ؟ وغضب غضبا شديدا ، وعاد إلى بيت المقدس ، وحرم [ ص: 532 ] اسمه ولعنه في أربعمائة قرن ، فحينئذ لحق ببعض قواد الروم وأدخله بصناعة الطب فقوي لذلك على اليهود ، وهم يومئذ في ذمة قيصر بتاريوش ، وجعل يخالف حكم التوراة ، ويستدرك عليها ، ويعرض عن بعضها إلى أن كان من أمره ما كان .

وطوائف من اليهود لعنهم الله يقولون غير هذا ، ويقولون إنه كان يلاعب الصبيان بالكرة فوقفت لهم الكرة بين جماعة من مشايخ اليهود ، فضعف الصبيان عن استخراجها من بينهم ، حياء منهم أي من مشايخهم ، فقوي عيسى وتخطى رقابهم وأخذها ، فقالوا له : ما نظنك إلا زنيما .

ومن اختلاف اليهود لعنهم الله في أمره أنهم يسمون أباه بزعمهم الذي هو خطيب مريم يوسف بن يهودا النجار ، وبعضهم يقول : إنما هو يوسف الحداد . والنصارى تزعم أنها ذات بعل ، وأن زوجها يوسف بن يعقوب ، وبعضهم يقول يوسف بن آل .

وهم يختلفون أيضا في آبائه وعددهم إلى إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمن مقل ومن مكثر . فهذا ما عند اليهود لعنهم الله ، وهم شيوخكم في نقل الصلب وأمره ، وإلا فمن المعلوم أنه لم يحضره أحد من النصارى . وإنما حضره اليهود لعنهم الله ، [ ص: 533 ] وقالوا : قتلناه وصلبناه وهم الذين قالوا فيه ما حكيناه عنهم ، فإن صدقتموهم في الصلب فصدقوهم في سائر ما ذكروه ، وإن كذبتموهم فيما نقلوه عنه فما الموجب لتصديقهم في الصلب وتكذيبهم ، وما صلبوه بل صانه الله وحماه وحفظه ، وكان أكرم على الله وأوجه عنده من أن يبتليه بما تقولون أنتم ، قاتلكم الله ، واليهود لعنهم الله ؟

التالي السابق


الخدمات العلمية