بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بما أزال الشبهة في أمره ، وكشف الغمة ، وبرأ
المسيح وأمه مما افتراه ( من افتراء اليهود لعنهم الله وبهتهم وكذبهم ، وتنزه رب العالمين وخالق
المسيح وأمه مما افتراه ) عليه المثلثة عباد الصليب الذين سبوه أعظم السب قاتلهم الله . وأنزل أخاه
المسيح بالمنزلة التي أنزله الله بها ، وهي أشرف منازله ،
[ ص: 538 ] فآمن به وصدقه ، وشهد له بأنه عبد الله ورسوله وروحه ، وكلمته ألقاها إلى
مريم العذراء البتول الطاهرة الصديقة سيدة نساء العالمين في زمانها ، وقرر معجزات
المسيح وآياته ، وأخبر عن ربه تعالى بتخليد من كفر
بالمسيح في النار ، وأن ربه تعالى أكرم عبده ورسوله ونزهه وصانه أن ينال إخوان القردة أمة الغضب منه ما زعمته النصارى أنهم نالوه منه ، بل رفعه الله إليه مؤيدا منصورا لم يشكه أعداؤه بشوكة ، ولا نالته أيديهم بأذى ، فرفعه الله إليه وأسكنه سماءه وسيعيده إلى الأرض ينتقم به من مسيح الضلال وأتباعه ، ثم يكسر الصليب ، ويقتل به الخنزير ، ويعلي به الإسلام ، وينصر به ملة أخيه وأولى الناس به
محمد صلى الله عليه وسلم .
فإذا وضع هذا القول في
المسيح في كفة ، وقول
عباد الصليب المثلثة في كفة ، تبين لكل من له أدنى مسكة من عقل ، ما بينهما من التفاوت ، وأن تفاوتهما كتفاوت ما بينه وبين قول المغضوب عليهم فيه ، وبالله التوفيق .
فلولا
محمد صلى الله عليه وسلم لما عرفنا أن
المسيح ابن
مريم الذي هو رسول الله وعبده وكلمته وروحه موجود أصلا ، فإن هذا
المسيح الذي أثبته
اليهود من شرار خلق الله ليس بمسيح الهدى . والذي أثبته
النصارى من أبطل الباطل لا يمكن وجوده في عقل ولا فطرة . ويستحيل أن يدخل في الوجود أعظم استحالة ، ولو أمكن وجوده لبطلت أدلة العقول ، ولم يبق لأحد ثقة بمعقول أصلا ، فإن استحالة وجوده فوق استحالة جميع المحالات ، ولو صح ما يقولون لبطل العالم واضمحلت السماوات والأرض ، وعدمت الملائكة والعرش والكرسي ، ولم يكن بعث ولا نشور ولا جنة ولا نار .
ولا يستعجب من إطباق أمة الضلال ، الذين شهد الله أنهم أضل من الأنعام على ذلك ، فكل باطل في الوجود ينسب إلى أمة من الأمم فإنها مطبقة عليه ، وقد تقدم ذكر
[ ص: 539 ] إطباق الأمم العظيمة التي لا يحصيها إلا الله عز وجل على الكفر والضلال بعد معاينة الآيات البينات ، فلعباد الصليب أسوة بإخوانهم من أهل الشرك والضلال .