ثم هلك هذا الملك ، وقام بعده آخر ، فنصب يهودا أسقفا على
بيت المقدس . قال ابن البطريق : فمن يعقوب أسقف
بيت المقدس الأول إلى يهودا أسقفه هذا كانت الأساقفة الذين على
بيت المقدس كلهم مجبوبين .
[ وعاد البلاء ]
ثم ولي بعده آخر فأثار على
النصارى بلاء شديدا وحزنا طويلا ، ووقع في أيامه
[ ص: 545 ] قحط شديد كاد الناس أن يهلكوا ، فسألوا
النصارى أن يبتهلوا إلى إلههم ، فدعوا وابتهلوا إلى الله فأمطروا وارتفع القحط والوباء .
قال ابن البطريق : وفي زمانه كتب بترك
الإسكندرية إلى أسقف
بيت المقدس ، وبترك
أنطاكية وبترك
رومية في ( كتاب ) فصح النصارى وصومهم ، وكيف يستخرج من فصح اليهود ، فوضعوا فيها كتبا على ما هي اليوم .
قال : وذلك
أن النصارى كانوا بعد صعود المسيح إذا عيدوا عيد الغطاس من الغد يصومون أربعين يوما ، ويفطرون كما فعل
المسيح ، لأنه لما اعتمد
بالأردن خرج إلى البرية فأقام بها صائما أربعين يوما .
وكان
النصارى إذا أفصح
اليهود عيدوا هم الفصح ، فوضع هؤلاء البتاركة حسابا للفصح ليكون فطرهم ( يوم الفصح ) ، وكان
المسيح يعيد مع
اليهود في عيدهم ، فاستمر على ذلك أصحابه إلى أن ابتدعوا تغيير الصوم ، فلم يصوموا عقيب الغطاس ، بل نقلوا الصوم إلى وقت لا يكون عيدهم مع ( عيد )
اليهود .
ثم مات ذلك الملك ، وقام بعده آخر ، وفي زمنه كان جالينوس ، وفي زمنه ظهرت
الفرس ، وغلبت على
بابل وآمد وفارس ، وتملك أزدشير بن بابك في
[ ص: 546 ] ( إصطخر ) وهو أول ملك على فارس في المدة الثانية .
ثم مات قيصر وقام بعده آخر ، ثم آخر ، وكان شديدا على
النصارى عذبهم عذابا شديدا ، وقتل خلقا كثيرا منهم ، وقتل كل عالم فيهم ، ثم قتل من كان
بمصر والإسكندرية من
النصارى ، وهدم الكنائس ، وبنى
بالإسكندرية هيكلا وسماه هيكل الآلهة .
ثم قام بعده قيصر آخر ، ثم آخر وكانت
النصارى في زمنه في هدوء وسلامة ، وكانت تحت ذمة - أي تحت ذمة الروم .
ثم قام بعده آخر فأثار على
النصارى بلاء عظيما وقتل منهم خلقا ، وأخذ الناس بعبادة الأصنام ، وقتل من الأساقفة خلقا كثيرا منهم وقتل كل عالم فيهم ، وقتل بترك
أنطاكية ، فلما سمع بترك
بيت المقدس بقتله هرب وترك الكرسي .
ثم هلك وقام بعده آخر ، وفي أيام هذا ظهر ماني الكذاب ، وزعم أنه نبي ، وكان كثير الحيل والمخاريق ، فأخذه بهرام ملك الفرس فشقه نصفين ، وأخذ من أتباعه مائتي رجل فغرس رءوسهم في الطين منكسين حتى ماتوا .
[ ص: 547 ] ثم قام من بعده فيليبس فآمن
بالمسيح فوثب عليه بعض قواده فقتله ، ثم قام بعده ذانقيوس ، ويسمى دقيانوس فلقي
النصارى منه بلاء عظيما ، وقتل منهم ما لا يحصى ، وقتل بترك
رومية ، وبنى بكنيستها هيكلا عظيما وجعل فيه الأصنام ، وأمر أن يسجد لها ويذبح لها ، ومن لم يفعل يقتل ، فقتل خلقا كثيرا من
النصارى ، وصلبوا على الهيكل ، واتخذ من أولاد عظماء المدينة سبعة غلمان ، فجعلهم خاصته فقدمهم على جميع من عنده ، وكانوا لا يسجدون للأصنام ، فأعلم الملك بخبرهم ، فحبسهم ثم أطلقهم ، وخرج إلى مخرج له ، فأخذ الفتية كل مالهم فتصدقوا به ، ثم خرجوا إلى جبل عظيم فيه كهف كبير ، فاختفوا فيه ، وصب الله عليهم النعاس فناموا كالأموات ، وأمر الملك أن يبنى عليهم باب الكهف كي يموتوا ، فأخذ قائد من قواده صفيحة من نحاس ، فيها أسماؤهم وقصتهم مع دقيانوس ، وصيرها في صندوق من نحاس ، ودفنه داخل الكهف وسده ، ثم مات الملك ، ثم قام بعده قيصر آخر ، وفي زمنه جعل في
أنطاكية بتركا
[ ص: 548 ] يسمى
بولس الشمشاطي وهو أول من ابتدع في شأن المسيح اللاهوت والناسوت وكانت
النصارى قبله كلمتهم واحدة أنه عبد رسول مخلوق ومربوب لا يختلف فيه اثنان منهم ، فقال :
بولس هذا - وهو أول من أفسد النصارى وأفسد دينهم - إن سيدنا
عيسى خلق من اللاهوت إنسانا كواحد منا في جوهره ، أن ابتداء الابن من
مريم ، وأنه اصطفي ليكون مخلصا للجوهر الإنسي ، وصحبته النعمة الإلهية فحلت فيه بالمحبة والمشيئة ، ولذلك سمي ابن الله ، وقال : إن الله جوهر واحد وأقنوم واحد .
وقال سعيد بن بطريق : وبعد موته اجتمع ثلاثة عشر أسقفا في مدينة
أنطاكية ، ونظروا في مقالة بولس ، وأوجبوا عليه اللعن فلعنوه ولعنوا من يقول قوله وانصرفوا .
ثم قام قيصر آخر فكانت النصارى في زمنه يصلون في المطامير والبيوت فزعا من الروم ، ولم يكن بترك
الإسكندرية يظهر ، خوفا أن يقتل ، فقام ( بارون ) بتركا ، فلم يزل يداري الروم حتى بنى
بالإسكندرية كنيسة .
ثم قام قياصرة أخر ، منهم اثنان تملكا على الروم إحدى وعشرين سنة ، فأثارا على
النصارى بلاء عظيما ، وعذابا أليما ، وشدة تجل عن الوصف في القتل والعذاب واستباحة الحريم والأموال ، وقتلا ألوفا مؤلفة من
النصارى ، وعذبوا مارجرجس أشد
[ ص: 549 ] العذاب ثم قتلوه ، وفي زمانهما ضربت عنق بطرس بترك
الإسكندرية ، وكان له تلميذان .
وكان في زمنه
آريوس ، يقول : إن الأب وحده الله الفرد الصمد ، والابن مخلوق مصنوع ، وقد كان الأب إذا لم يكن الابن .
وقال بطرس لتلميذيه : إن
المسيح لعن
آريوس فاحذرا أن تقبلا قوله ، فإني رأيت
المسيح في النوم مشقوق الثوب ، فقلت : يا سيدي ! من شق ثوبك ؟ فقال لي :
آريوس فاحذروا أن تقبلوه أو يدخل معكم الكنيسة .
وبعد قتل بطرس بخمس سنين صير أحد تلميذيه بتركا على
الإسكندرية ، فأقام ستة أشهر ومات ، ولما جرى على
آريوس ما جرى ، أظهر أنه رجع عن مقالته ، فقبله هذا البترك وأدخله الكنيسة وجعله قسيسا .
ثم قام قيصر آخر فجعل يتطلب
النصارى ويقتلهم حتى صب الله عليه الهلاك فهلك بشر هلكة .
ثم قام بعده قيصران :
( أحدهما ) ملك
الشام وأرض الروم وبعض الشرق .
( والآخر )
رومية وما جاورها ، وكانا كالسباع الضارية على
النصارى ، فعلا بهم من القتل والسبي والجلاء ما لم يفعله بهم ملك قبلهما .