وكان ملك الشام وأحد أكابر علمائهم بالنصرانية ( هرقل ) قد عرف أنه رسول الله حقا ، وعزم على الإسلام فأبى عليه عباد الصليب ، فخافهم على نفسه ، وضن بملكه - مع علمه - بأنه سينقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته ، ونحن نسوق قصته .
[ ص: 278 ] فلما فرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط وأمر بنا فخرجنا ، ثم أذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص ، ثم أمر بأبوابها فغلقت ، ثم طلع فقال : يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي ؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال : ردوهم علي ، فقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه .
فهذا ملك الروم - وكان من علمائهم أيضا - عرف وأقر أنه نبي ، وأنه سيملك ما تحت قدميه ، وأحب الدخول في الإسلام فدعا قومه إليه فولوا عنه معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة فمنعه من الإسلام الخوف على ملكه ورئاسته ، ومنعه أشباه الحمير مما منع الأمم قبلهم .