قول داود في مزمور آخر : إن الله سبحانه وتعالى أظهر من صهيون إكليلا محمودا .
وضرب الإكليل مثلا للرئاسة والأمانة ،
ومحمود هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال في
صفته : ويجوز من البحر إلى البحر من لدن الأنهار إلى منقطع الأرض ، وإنه لتخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ، ويلمس أعداؤه التراب ، تأتيه ملوك الفرس وتسجد له ، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد ، ويخلص المضطهد اليائس ممن هو أقوى منه ، وينقذ الضعيف الذي لا ناصر له ، ويرأف بالمسكين والضعفاء ، ويصلى عليه في كل وقت ويبارك .
ولا يشكل على عاقل تدبر أمور الممالك والنبوات ، وعرف سيرة
محمد صلى الله عليه وسلم وسيرة أمته من بعده أن هذه الأوصاف لا تنطبق إلا عليه وعلى أمته ، لا على
المسيح ولا على
[ ص: 355 ] نبي غيره ، فإنه حاز من
البحر الرومي إلى
البحر الفارسي ، ومن لدن الأنهار
سيحون وجيحون والفرات ونيل مصر إلى منقطع الأرض بالغرب ، وهذا مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1017913زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها ، وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها .
وهو الذي يصلى عليه ويبارك في كل وقت ، وفي كل صلاة من الصلوات الخمس وغيرها ، وهو الذي خرت أهل الجزائر بين يديه ، أهل جزيرة العرب ، وأهل الجزيرة التي بين
الفرات ودجلة ، وأهل جزيرة
الأندلس ، وأهل جزيرة
قبرص ، وخضعت له ملوك الفرس ، ولم يبق فيهم إلا من أسلم أو أدى الجزية عن يد وهم صاغرون ، بخلاف ملوك الروم فإن فيهم من لم يسلم ، ولم يؤد الجزية ، فلهذا ذكر في البشارة ملوك الفرس خاصة ، ودانت له الأمم التي سمعت به وبأمته ، وأنقذ الضعفاء من الجبارين ، وهذا بخلاف
المسيح فإنه لم يتمكن هذا التمكين في حياته ، ولا من اتبعه بعد رفعه إلى
[ ص: 356 ] السماء ، ولا حازوا ما ذكر ، ولا يصلون عليه ، ويباركون في اليوم والليلة ، فإن القوم يدعون إلهيته ويصلون له .