وأما
الإنجيل فهو أربعة أناجيل ، أخذت عن أربعة نفر ، اثنان منهم لم يريا
المسيح أصلا ، واثنان رأياه واجتمعا به وهما
متى ويوحنا ، وكل منهم يزيد وينقص
[ ص: 427 ] ويخالف إنجيله لإنجيل أصحابه في أشياء ، وفيها ذكر القول ونقيضه . كما فيه أنه قال : إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي غير مقبولة ، ولكن غيري يشهد لي .
وفي موضع آخر منه : ( إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق لأني أعلم من أين جئت وإلى أين أذهب ) . وفيه : أنه لما استشعر بوثوب
اليهود عليه قال : ( قد جزعت نفسي الآن فماذا أقول ؟ يا أبتاه سلمني من هذا الوقت ) .
وأنه لما رفع على خشبة الصلب صاح صياحا عظيما وقال : ( يا إلهي ! لم أسلمتني ) ، فكيف يجمع هذا مع قولكم : إنه هو الذي ( أسلم ) نفسه إلى
اليهود ، ليصلبوه ويقتلوه رحمة منه بعباده ، حتى فداهم بنفسه من الخطايا ، وأخرج بذلك
آدم ونوحا وإبراهيم وموسى وجميع الأنبياء من جهنم بالحيلة التي دبرها على إبليس ، وكيف يجزع إله العالم بذلك ؟ . وكيف يسأل السلامة منه ، وهو الذي اختاره ورضيه ؟ ! وكيف يشتد صياحه ويقول : ( يا إلهي ، لم أسلمتني ) وهو الذي أسلم نفسه ؟ ! وكيف لم يخلصه أبوه مع قدرته على تخليصه ، وإنزاله صاعقة على الصليب وأهله أم كان ربا عاجزا مقهورا مع
اليهود ؟ !
وفيه أيضا
أن اليهود سألته أن يظهر لهم برهانا أنه المسيح ، فقال : تهدمون هذا البيت
[ ص: 428 ] - يعني
بيت المقدس - وأبنيه لكم في ثلاثة أيام ، فقالوا له : بيت مبني في ست وأربعين سنة تبنيه أنت في ثلاثة أيام .
ثم ذكرتم في الإنجيل أيضا : أنه لما ظفرت به
اليهود وحمل إلى بلاط عامل قيصر واستدعيت عليه بينة أن شاهدي زور جاءا إليه وقالا : ( سمعناه يقول : أنا قادر على بناء
بيت المقدس في ثلاثة أيام ) ( فكيف ) يدعي أن تلك معجزته ويدعي أن الشاهدين عليه بها شاهدا زور ؟ .
وفيه أيضا
للوقا : أن
المسيح قال لرجلين من تلامذته : اذهبا إلى الحصن الذي يقابلكما ، فإذا دخلتماه فستجدان ( فلوا ) مربوطا لم يركبه أحد فحلاه وأقبلا به إلي . قال : وفي إنجيل
متى في هذه القصة أنها كانت حمارة متعبة .
وفيه أنه قال : ( ( لا تحسبوا أني قدمت لأصلح بين أهل الأرض ، لم آت لصلاحهم ، لكن لألقي المحاربة بينهم ، إنما قدمت لأفرق بين المرء وابنه ، والبنت وأمها ، حتى يصير أعداء المرء أهل بيته ) ) . ثم فيه أيضا : ( ( إنما قدمت لتحيوا وتزدادوا خيرا ، وأصلح بين الناس ) ) .
وأنه قال : ( ( من لطم خدك الأيمن فانصب له الأخرى ) ) .
وفيه أيضا أنه قال :
[ ص: 429 ] طوبى لك يا
شمعون ( رأس الجماعة ) ، وأنا أقول إنك الحجر ، وعلى هذا الحجر تبني بيعتي ، وكل ما أحللته في الأرض يكون محللا في السماء ، وما عقدته على الأرض يكون معقودا في السماء ، ثم فيه بعينه بعد أسطر يقول له : اذهب عني يا شيطان ولا تعارض ، فإنك جاهل ، فكيف يكون شيطان جاهل مطاع في السماوات . وفي الإنجيل نص أنه ، ( ( لم تلد النساء مثل
يحيى ) )
هذا في إنجيل
متى ، وفي إنجيل
يوحنا أن
اليهود بعثت إلى
يحيى من يكشف عن أمره ( من أنت )
أهو المسيح ؟ قال : لا ، قالوا : أتراك
إلياس ؟ قال : لا ، قالوا : أنت النبي ؟ قال : لا ، قالوا : أخبرنا من أنت ؟ قال : أنا صوت مناد في المفاوز ، ولا يجوز لنبي أن ينكر نبوته فإنه يكون مخبرا بالكذب .
ومن العجب أن في إنجيل
متى نسبة
المسيح إلى أنه ابن
يوسف ، ثم إلى
إبراهيم الخليل تسعة وثلاثين أبا ، ثم نسبه
لوقا أيضا في إنجيله إلى
يوسف ، وعد منه إلى
إبراهيم نيفا وخمسين أبا . فبينا هو إله تام إذ صيروه ابن الإله ثم جعلوه ابن
يوسف النجار .
والمقصود أن هذا الاضطراب في الإنجيل يشهد بأن التغيير وقع فيه قطعا ، ولا يمكن أن يكون ذلك من عند الله ، بل الاختلاف الكثير الذي فيه يدل على أن ذلك الاختلاف من عند غير الله ، وأنت إذا اعتبرت نسخه ، ونسخ التوراة التي بأيدي
اليهود والسامرة [ ص: 430 ] والنصارى رأيتها مختلفة اختلافا يقطع من وقف عليه أنه من جهة التغيير والتبديل .