صفحة جزء
( حدثنا قتيبة بن سعيد ) : وفي نسخة أبو رجاء . ( قال ) : قتيبة بن سعيد . ( أنا ) : أي أخبرنا . ( حاتم ) : بكسر التاء . ( بن إسماعيل ) : أخرج حديثه أصحاب الستة . ( عن الجعد ) : بفتح الجيم وسكون العين ، وفي نسخة بالتصغير . ( ابن عبد الرحمن ) : أخرج حديثه الشيخان وغيرهما . ( قال : سمعت السائب ) : بكسر الهمزة . ( بن يزيد ) : روي له خمسة أحاديث مرفوعة : أربعة في البخاري وواحد متفق عليه ، يكنى أبا يزيد الكندي ، ولد في السنة الثانية من الهجرة ، حضر حجة الوداع مع أبيه ومات سنة ثمانين . ( يقول : ذهبت بي ) : الباء للتعدية مع مراعاة المصاحبة ; أي أذهبتني . ( خالتي ) : أي معها . ( إلى النبي ) : وفي نسخة " إلى رسول الله " . ( صلى الله عليه وسلم ) : قال العسقلاني : لم أقف على اسم خالته ، وأما أمه فاسمها علبة ، بضم العين المهملة وسكون اللام بعدها موحدة ، بنت شريح ، أخت مخرمة بن شريح . ( فقالت : يا رسول الله إن ابن أختي وجع ) : بفتح الواو وكسر الجيم ، أي ذو وجع ، بفتح الجيم ، وهو الألم ، وقيل : أي مريض ، والأول أولى ; لأن ذلك الوجع كان في لحم قدمه بدليل أنه وقع في البخاري في أكثر الروايات ، وقع بالقاف المكسورة بدل الجيم ، والوقع بالتحريك هو وجع لحم القدم ، قيل : يقتضي مسحه صلى الله عليه وسلم لرأسه أن مرضه كان برأسه ، ودفع بأنه لا مانع من الجمع وإيثار مسح الرأس لكونه أشرف ، وقال العسقلاني : وفي بعض الروايات وقع بلفظ الماضي قال [ ص: 69 ] ابن بطال : المعروف عندنا بفتح القاف والعين ، فيحتمل أن يكون معناه وقع في الأرض فوصل إلى ما حصل . ( فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسي ) : وروى البيهقي وغيره أن أثر مسحه صلى الله عليه وسلم من رأس السائب لم يزل أسود مع شيب ما سوى رأسه . ( ودعا ) : وفي نسخة " فدعا " . ( لي بالبركة ) : بفتحتين ، أي : النماء والزيادة ، وهو في العمر بدلالة المقام أو في غيره معه أو وحده ، وقد أخرج ابن سعد من طريق عطاء مولى السائب عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال في حقه : " بارك الله فيك " . فاستجيب دعاؤه صلى الله عليه وسلم في حقه ، وفي صحيح البخاري عن الجعد راويه قال : رأيت السائب بن يزيد وهو ابن أربع وتسعين حولا معتدلا ، وقال : قد علمت أني ما متعت بسمعي وبصري إلا ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم . ( وتوضأ ) : أي اتفاقا أو قصد الشرب إلحاقا . ( فشربت من وضوئه ) : الرواية بفتح الواو ، أي : ماء وضوئه ، قال ابن حجر : هو ما أعد للوضوء أو ما فضل عنه أو ما استعمله فيه ، انتهى . والأنسب هو الأوسط ، والأول غير صحيح لمخالفته الأدب ولإبعاد فاء التعقيب عنه ، فتدبر ، ولهذا اقتصر البيضاوي على الاحتمالين ، قال ميرك : والظاهر الاحتمال الثاني من كلام البيضاوي ، وهو ما انفصل عن أعضاء وضوئه ; لأن ملاحظة التبرك والتيمن فيه أقوى وأتم ، وإيراد بعض الفقهاء هذا الحديث في باب أحكام المياه واستدلالهم به على طهارة الماء المستعمل صريح في أنهم رجحوا الاحتمال الأول لما يدل عليه . قلت : لا يظهر ظهور الاحتمال الثاني ، بل قد يتعين الاحتمال الأول لما يدل عليه قوله : " فشربت " حيث لم يقل " فتبركت به " ، ولا يضرنا إيراد بعض الشافعية الحديث في باب أحكام المياه واستدلالهم وترجيحهم ; لأنه لا يصح الاستدلال مع وجود الاحتمال ، ولذا قال القاضي عياض : وللمانع أن يحمله على التداوي ، وقول ميرك : وفيه تأمل ; لأن النجس حرام ، وثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " ، قلت : هذا محمول على الخمر وإلا فقد ثبت شرب أبوال الإبل للعرنيين بأمره صلى الله عليه وسلم ، وهذا مما يؤيد القول الأول إذ لا ضرورة لحمله على المعنى الثاني المختلف في جوازه مع أن المستعمل في فرض الوضوء لا في التجديد وهو غير معلوم ، ويحتمل أن يكون من خصوصياته صلى الله عليه وسلم كما قيل في فضلاته ، وأغرب الحنفي حيث قال : وللمانع أن يحمله على أنه كان أولا والحكم بعدم طهارته كان من بعده ; لأنه يحتاج إلى دليل صريح وتاريخ صحيح . ( وقمت خلف ظهره ) : أي أدبا أو قصدا وطلبا . [ ص: 70 ] ( فنظرت ) : لانكشاف محله أو لكشفه صلى الله عليه وسلم له ليراه لعلمه به مكاشفة . ( إلى الخاتم ) : ضبط هنا بالفتح لأنه في معنى الطابع أصرح . ( بين كتفيه ) : وفي رواية البخاري : " إلى خاتم بين كتفيه " ، وهو حال من الخاتم أو ظرف لنظرت أو صلة للخاتم ، ويؤيده ما في بعض النسخ المصححة للترمذي : " الخاتم الذي بين كتفيه " ، والرواية فيه بفتح الكاف وكسر التاء ، وفي رواية عنه : ورأيت الخاتم عند كتفيه ، قال القاضي : وهو أثر شق الملكين بين الكتفين ، واعترضه النووي بأن ما قاله باطل ; لأن شقهما إنما كان في صدره وأثره إنما كان خطا واضحا من صدره إلى مراق بطنه ، انتهى . ويؤيده خبر مسلم عن أنس : فلقد كنت أرى أثر المخيط في صدره صلى الله عليه وسلم . قال : ولم يثبت قط أنه بلغ بالشق حتى نفذ من وراء ظهره ، ولو ثبت للزم عليه أن يكون مستطيلا من بين كتفيه إلى بطنه ; لأنه الذي يحاذي الصدر من مسربته إلى مراق بطنه ، قال : وهذه غفلة من هذا الإمام ، ولعل هذا من بعض نساخ كتابه فإنه لم يسمع عليه فيما علمت ، انتهى . وتعقبه العسقلاني بأن سبب التغليظ فهم أن بين الكتفين متعلق بالشق وليس كذلك ، بل بأثر الختم لخبر أحمد وغيره أنه لما شقا صدره قال أحدهما للآخر : خطه ، فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة ، فلما ثبت أنه بين كتفيه حمل القاضي جمعا بين الروايتين على أن الشق لما وقع في صدره ثم خيط حتى التأم كما كان ، ووقع الختم بين كتفيه كان كذلك أثر الشق ، ويؤيده ما وقع في حديث شداد بن أوس ، عن أبي يعلى ، وأبي نعيم - في الدلائل - أن : " الملك لما أخرج قلبه وغسله ثم أعاده ختم عليه بخاتم في يده من نور فامتلأ نورا " ، وذلك النبوة والحكمة ، فيحتمل أن يكون ظهر من وراء ظهره عند كتفه الأيسر ; لأن القلب في تلك الجهة ، وفي حديث عائشة عند أبي داود الطيالسي ، والحارث بن أبي أسامة ، وأبي نعيم - في الدلائل أن : " جبريل وميكائيل لما نزلا له من عند البعثة هبط جبريل فألقاني على القفا ، ثم شق عن قلبي فاستخرجه ، ثم غسله في طست من ذهب بماء زمزم ، ثم ألقاني وختم على ظهري حتى وجدت مس الخاتم في قلبي " . قال : وهذا مستند القاضي فيما ذكر وليس بباطل ، وتقتضي هذه الأحاديث أن الخاتم لم يكن موجودا حين ولادته ففيه تعقب على من زعم أنه ولد به ، وهو قول نقله أبو الفتح ، وقيل : وضع حين وضع نقله مغلطاي ، ووقع مثله في حديث أبي ذر عند أحمد والبيهقي في الدلائل ، وفيه : " جعل خاتم النبوة بين كتفي كما هو الآن " ، وفي رواية : " فوضعه بين كتفيه وقدميه " ، وهذا يشعر بأن الختم وضع في موضعين من جسده صلى الله عليه وسلم ، والعلم عند الله تعالى ، قال ميرك : وروى البيهقي في الدلائل عن شيوخه أنهم قالوا : لما شك الناس في موت النبي صلى الله عليه وسلم وضعت أسماء بنت عميس يدها بين كتفيه ، فقالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفع الخاتم من بين كتفيه . ثم البينية المذكور تقريبية وإلا فالأصح أنه كان عندا على كتفه الأيسر ، قاله السهيلي لما في خبر مسلم من حديث عبد الله بن سرجس في رواية أبي نعيم أنه قال : فنظرت خاتم النبوة [ ص: 71 ] بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى . وفي رواية : " غضروف كتفه الأيسر " ، وفي رواية أبي نعيم أنه كان عند كتفه الأيمن ، وروى الحاكم عن وهب بن منبه أنه قال : لم يبعث الله نبيا قط إلا وقد كانت عليه شامة النبوة في يده اليمنى إلا نبينا صلى الله عليه وسلم فإن شامة النبوة كانت بين كتفيه . قال ميرك : ففي أكثر الروايات أنه بين كتفيه ، فرجح كثير من المحدثين رواية بين الكتفين لكونها أصح وأوضح ، وأعرضوا عن روايتي اليمنى واليسرى لتعارضهما ، واختلفوا هل ولد به أو وضع بعد ولادته ؟ فعند أبي نعيم أنه لما ولد أخرج الملك صرة من حرير أبيض فيها خاتم فضرب على كتفه كالبيضة ، وفي حديث البزار وغيره أنه قيل : يا رسول الله كيف علمت أنك نبي وبم علمت حتى استيقنت ؟ قال : " أتاني اثنان " ، وفي رواية : " ملكان وأنا ببطحاء مكة ، فقال أحدهما لصاحبه : شق بطنه ، فشق بطني ، فأخرج قلبي ، فأخرج منه مغمز الشيطان وعلق الدم فطرحهما ، فقال أحدهما لصاحبه : اغسل بطنه غسل الإناء واغسل قلبه غسل الملاء ، ثم قال أحدهما لصاحبه : خط بطنه ، فخاط بطني وجعل الخاتم بين كتفي ، كما هو الآن ، ووليا عني وكأني أرى الأمر معاينة " . ( فإذا ) : للمفاجأة ، وكون ما بعده مفاجأة باعتبار العلم . ( هو ) : أي الخاتم . ( مثل زر الحجلة ) : بكسر الزاي والراء المشددة وبفتح الحاء المهملة والجيم ، وهي بيت كالقبة لها أزرار كبار وعرى ، وهذا ما عليه الجمهور ، وقيل : المراد بالحجلة : الطائر المعروف ، يقال له بالفارسية كبك وبالعربية القبجة ، وزرها : بيضها ، والمعنى أنه مشبه بها ، ويؤيده الحديث الثاني : " مثل بيضة الحمامة " ، فلا وجه لقول ابن حجر في المعنى الأول هذا هو الصواب كما قاله النووي ، على أن الخطابي ذكر أنه روي بتقديم الراء على الزاي ، والمراد به البيض من أرزت الجرادة إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت ، ووقع في بعض نسخ البخاري : قال أبو عبد الله ، والصحيح تقديم الراء على الزاي ، وأما قول التوربشتي : تقديم الراء ليس بمرضي فمحمول على أن الأول هو المعمول عليه لا على أنه معلل ، والله أعلم ، وزاد البخاري : وكان - أي الخاتم - ينم أي يفوح مسكا ، وفي مسلم : جمع ، بضم جيم وسكون ميم ، عليه خيلان كأنه الثآليل السود عند نغض كتفه ، بنون مضمومة وتفتح فمعجمتين : أعلى كتفه . وفي مسلم أيضا : كبيضة الحمام ، وفي صحيح الحاكم : شعر مجتمع مثل السلعة ، بكسر السين قطعة ناتئة ، وللمصنف - كما سيأتي - بضعة ناشزة ، وللبيهقي والمصنف : كالتفاحة ، ولابن عساكر : كالبندقة ، وللسهيلي : كأثر المحجم القابضة على اللحم ، ولابن أبي خيثمة : شامة خضراء مختفرة أيضا في اللحم ، وله أيضا : شامة سوداء تضرب إلى الصفرة حولها شعرات متراكبات كأنها عرف الفرس ، وللقطاعي : ثلاث شعرات مجتمعات ، وللترمذي الحكيم : كبيضة حمام مكتوب بباطنها : الله وحده لا شريك له ، وبظاهرها : توجه حيث كنت فإنك منصور ، ولابن عابد : كان نورا يتلألأ ، قال بعض العلماء : وليست هذه الروايات مختلفة حقيقة بل كل شبه بما سنح له ، ومؤدى الألفاظ كلها واحد ; وهو قطعة لحم ، ومن قال : إنه شعر ; فلأن الشعر حوله متراكب عليه كما في الرواية الأخرى ، قال القرطبي : الأحاديث الثابتة تدل على أن خاتم النبوة كان شيئا بارزا أحمر عند كتفه الأيسر ، إذا قلل جعل كبيضة الحمام ، وإذا كثر جعل كجمع اليد ، وقال القاضي : رواية " جمع [ ص: 72 ] الكف " يخالفه " بيضة الحمام " ، " وزر الحجلة " فتؤول على وفق الروايات الكثيرة أو كهيئة الجمع لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة ، وقال العسقلاني : ورواية : " كأثر محجم أو كركبة عنز أو كشامة خضراء أو سوداء مكتوب فيها محمد رسول الله أو سر فإنك المنصور " لم يثبت منها شيء وتصحيح ابن حبان ذلك وهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية