صفحة جزء
( حدثنا أبو مصعب ) : بصيغة المفعول ، وثقه ابن معين ، وروى عنه أبو داود والترمذي والنسائي ، وليس له في هذا الكتاب سوى هذا الحديث . ( المديني ) : وفي نسخة " المدني " وهو القياس في النسبة بالحذف ، ومن أثبتها فهو على الأصل كما قاله النووي ، وفي الصحاح : النسبة لطيبة مدني ولمدينة المنصور - يعني بغداد - مديني ولمداين كسرى مدايني ، وعلى هذا فالمديني هنا لا يصح لأنه من طيبة ، وقال البخاري : المديني : من أقام بطيبة ، والمدني : من أقام بها ثم فارقها ، وعلى ما ذكره يصح ذلك ، وقيل : المدني نسبة إلى المدينة ، والمديني إلى مدينة بغداد . ( أنا ) : أي أخبرنا . ( يوسف بن الماجشون ) : بكسر الجيم وضم الشين وبكسر النون ، في الأصول المصححة ، وكذا ضبطه السمعاني ، وفي القاموس بضم الجيم ، وأما قول ابن حجر : بفتح الجيم فلا أصل له ، أخرج حديثه الشيخان وغيرهما ، وفي الأنساب للسمعاني : وإنما قيل له الماجشون لحمرة خديه وهذه لغة أهل المدينة ، وقال أبو حاتم : الماجشون المورد ، وفي القاموس : لقب ، معرب ماه كون ، ولا يبعد أن يكون معرب مي كون فانصرافه بالتعريف . ( عن أبيه ) : يريد به جده الأعلى الذي نسب إليه في قوله ابن الماجشون ; لأنه يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون . ( عن عاصم بن عمر بن قتادة ) : بفتح القاف ، مدني أوسي أنصاري ، ثقة ، عالم بالمغازي ، أخرج حديثه الأئمة الستة . ( عن جدته رميثة ) : بضم الراء وفتح الميم وسكون الياء بعدها مثلثة ، صحابية لها حديثان ثانيهما في صلاة الضحى رواية عن عائشة . ( قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : أي كلامه . ( ولو أشاء ) : أي لو أردت . ( أن أقبل الخاتم ) : بالوجهين . ( الذي بين كتفيه من قربه ) : " من " تعليلية معمول ( لفعلت ) قدم عليه للاهتمام وبيان الاختصاص ; أي لأجل قربه صلى الله عليه وسلم أو لقرب الخاتم الذي بين كتفيه ، وهو أقرب وأنسب لئلا يفوت إفادتها أنها كانت في جانب الخاتم . ( لفعلت ) : جواب " ولو " وهو يدل على كمال مباسطتها وخصوصيتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونهاية تواضعه وحسن معاشرته ولطف خلقه مع أمته [ ص: 74 ] لا سيما العجائز والمساكين . ( يقول ) : بدل اشتمال من مفعول " سمعت " أو جملة حالية تبين المفعول المقدر المذكور ، وأتي به مضارعا بعد " سمع " الماضي إما حكاية لحاله وقت السماع أو لإحضار ذلك في ذهن السامع ، وقيل : حال من فاعل " سمعت " أو من مفعوله ، واختارت المضارع لفظا ليتوافق المشيئة ومفعولها لفظا كما توافقا معنى والواو للحال ، وقيل : " سمعت " يتعدى لمفعولين فلا محذوف ، واختاره العصام وقال : الجملة معترضة بين مفعولي سمعت أو حال من المفعول دون الفاعل ; لأنها لو كانت حالا منه لذكرتها بجنبه لمكان الالتباس فلا يلتفت إليه ، وإن ذكرها بعض الناس ، وقال ميرك : حال من فاعل " سمعت " وجعله حالا من مفعول " سمعت " مما لا يقبله الذوق السليم ، ولعله لتقديم " أشاء " وأقبل المناسب للفاعل ، والحق أن كلاهما جائز ولا منع من الجمع . ( لسعد بن معاذ ) : أي في شأنه أو لأجله أو عنه لقوله تعالى : ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) ، والحاصل أن اللام ليست للمشافهة لتحقق موت سعد ، وهو سيد الأنصار ، أسلم بالمدينة بين العقبة الأولى والثانية على يدي مصعب بن عمير ، وأسلم بإسلامه بنو عبد الأشهل ، ودارهم أول دار أسلمت من الأنصار ، وكان مقدما مطاعا في قومه ، شهد بدرا ، وثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم في أحد ، ورمي يوم الخندق في أكحله فلم يرقأ الدم حتى مات بعد شهر وذلك في ذي القعدة سنة خمس وهو ابن سبع وثلاثين سنة ، ودفن بالبقيع ، وروى عنه عبد الله بن مسعود وعائشة وغيرهما ، وحضر جنازته سبعون ألف ملك . ( يوم مات ) : ظرف ليقول ، فيكون من كلاهما وهو الظاهر ، ويحتمل أن يكون من كلامه صلى الله عليه وسلم فيكون ظرفا لقوله . ( اهتز ) : أي تحرك . ( له ) : أي لأجل موت سعد ، وفي رواية : " لها " أي : لروحه فإنه يذكر ويؤنث ، فاندفع ما قال العصام أي لجنازته ، وفيه مزيد شاهد على حمل العرش على الجنازة كيف وقد ثبت في الصحيح : " عرش الرحمن " ، وأيضا لا فضيلة في تحرك العرش لسعد مع أن المقصود بيان فضله كما يعلم من سائر الأحاديث في حقه . ( عرش الرحمن ) : رواه الشيخان أيضا ، قيل : يحتمل أن تكون حركته لغاية ارتياحه بمواصلة روحه إليه أو لغاية حزنه بفراقه عليه ، ولا استبعاد في ارتياحه ما لا روح له وحزنه كما لا استبعاد في تكلم الجماد من تسبيح الحصى وحنين الجذع ونحوهما ; لأن مبنى أمور الآخرة على خرق العادة ، ولقوله تعالى في حق الجمادات في الدنيا : ( وإن منها ) أي من الحجارة ( لما يهبط من خشية الله ) ، ويدل عليه حديث ابن عمر بلفظ " اهتز [ ص: 75 ] العرش فرحا " ، أخرجه الحاكم وتأوله فقال : " اهتز العرش فرحا بلقاء الله تعالى سعدا " ، واختاره العسقلاني ، وقال النووي : وهذا القول هو ظاهر الحديث وهو المختار ، ويحتمل أن يراد حركة أهل العرش من الملائكة واستبشارهم بقدوم روحه ، فيكون من باب حذف المضاف أو إطلاق اسم المحل على الحال كقوله : ( واسأل القرية ) ، ويؤيده ما أخرجه الحاكم أن جبريل قال : " من هذا الميت الذي فتحت له أبواب السماء واستبشر به أهلها وحركتهم " إما لما ذكرناه أو للنزول على وجه الأرض ليصلوا عليه ، ويؤيده ما رواه النسائي عن ابن عمر : هذا الذي تحرك له العرش وفتحت له أبواب السماء وشهده سبعون ألفا ، لقد ضم ضمة ثم فرج عنه ، ويقويه ما صححه الترمذي من حديث أنس أنه قال : لما حملت جنازة سعد بن معاذ قال المنافقون : ما أخف جنازته ! ! فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الملائكة تحمله " ، وقيل اهتزاز العرش : حركته ، وجعل علامة للملائكة على موته لعلو شأنه وسمو مكانه ، وقيل : هو كناية عن تعظيم شأن وفاته ، والعرب تنسب الشيء المعظم إلى أعظم الأشياء فيقول : أظلمت الأرض لموت فلان ، وقامت القيامة له ، ولا يخفى أنه بعيد عن قصد الشارع وإن قال الحنفي : إنه كلام حسن ، وقيل : الاهتزاز في الأصل الحركة لكنه أريد به الارتياح كناية أي ارتاح بروحه حين صعد به لكرامته على ربه فيكون من قبيل حديث : " أحد جبل يحبنا ونحبه " ، ووقع في بعض طرق الحديث بلفظ " اهتز العرش لموت سعد بن معاذ " ، وروي عن البراء بن عازب أنه تأوله بالسرير الذي حمل عليه سعد ، يعني جنازته ونعشه ، فروى البخاري في صحيحه هذا الحديث عن جابر ، وفيه قال رجل لجابر : فإن البراء يقول اهتز السرير فقال جابر : إنه بين الحيين ضغائن ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ " ، قال الخطابي : إنما قال ذلك جابر لأن سعد بن معاذ كان من الأوس والبراء من الخزرج ، والخزرج لا يقول للأوس بالفضل ، قال العسقلاني : هذا خطأ فاحش ، فإن البراء أيضا أوسي ، وإنما قال جابر ذلك إظهارا للحق واعترافا بالفضل لأهله فكأنه تعجب من البراء كيف قال ذلك مع أنه أوسي ، ثم قال : وأنا وإن كنت خزرجيا وكان بين الأوس والخزرج ما كان لم يمنعني من ذلك أن أقول الحق ، فذكر الحديث بلفظ " اهتز عرش الرحمن " بإضافة العرش إلى الرحمن ، والعذر للبراء أنه لم يقصد تغطية فضل سعد وإنما بلغ الحديث إليه بلفظ " اهتز العرش " وفهم منه ذلك فجزم به وهذا هو الذي يليق أن يظن به لا كما فهمه الخطابي أنه قال للعصبية لما بين الحيين من الضغائن ، وقد تأوله ابن عمر أيضا بمثل ما تأوله البراء ، وقد صح عن ابن عمر أنه رجع عن ذلك وجزم بأنه اهتز له عرش الرحمن ، وقد جاء حديث " اهتز العرش لموت سعد " عن عشرة من الصحابة ، قال الحاكم : الأحاديث المصرحة باهتزاز عرش الرحمن مخرجة في الصحيحين وليس لمعارضها ذكر في الصحيح .

التالي السابق


الخدمات العلمية