صفحة جزء
( حدثنا إسحاق بن منصور ، حدثنا عفان ) بالصرف ، وقد لا يصرف ، وهو ابن مسلم بن عبد الله الباهلي أبو عثمان الصفار البصري ( حدثنا ) وفي نسخة أخبرنا ( حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أنس بن مالك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أوى إلى فراشه قال : الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا ) قيل ذكرهما لأن الحياة لا تتم بدونهما كالنوم ، فالثلاثة من واد واحد فكان ذكره مستدعيا لذكرهما ، وأيضا النوم فرع الشبع والري وفراغ الخاطر عن المهمات والأمن من الشرور والآفات ، ولذا قال : ( وكفانا ) أي : وكفى مهماتنا ودفع عنا أذياتنا ( وآوانا ) بالمد وقد يقصر ، وقيل هنا بالمد بدليل قوله الآتي : " ولا مؤوي " والصحيح أن الأفصح في اللازم القصر وفي المتعدي المد أي : ردنا إلى مأوانا ، ولم يجعلنا من المنتشرين كالبهائم في صحرانا ( فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ) قال النووي : أي : لا راحم له ولا عاطف عليه ولا له مسكن يأوي إليه فمعنى آوانا هنا رحمنا ، وقال المظهر : الكافي والمؤوي هو الله تعالى يكفي شر بعض الخلق عن بعضهم ويهيئ المسكن ، والمأوى لهم فالحمد لله [ ص: 78 ] الذي جعلنا منهم فكم من خلق لا يكفيهم الله شر الأشرار بل تركهم وشرهم حتى يغلب عليهم أعداؤهم ، وكم من خلق لم يجعل الله لهم مأوى ولا مسكنا بل تركهم يتأذون ببرد الصحاري وحرها ، وقال الطيبي : " كم " تقتضي الكثرة ولا ترى ممن حاله هذا إلا قليلا نادرا على أنه افتتح بقوله : أطعمنا وسقانا ، قلت في عموم الأكل والشرب ، إشارة إلى شمول الرزق المتكفل والمأوى ; فإنه تعالى خصه بما شاء من عباده ، وكثير منهم ليس لهم مأوى إما مطلقا أو مأوى صالحا وكافيا لهم ، وقوله : كم ، تقتضي الكثرة يرد بمنع قلته ، وعلى التنزيل ، فالكثير يصدق بثلاثة فأكثر فلا يكون متروك المأوى ، والكفاية قليلا نادرا قال : ويمكن أن ينزل هذا على معنى قوله تعالى : ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم فالمعنى أنا نحمد الله تعالى على أن عرفنا نعمه ، ووفقنا لأداء شكرها فكم من منعم عليه لم يعرفها ، فكفر بها ولم يشكرها ، وكذلك الله مولى الخلق كلهم بمعنى ربهم ومالكهم ، لكنه ناصر المؤمنين ومحب لهم ، فالفاء في " فكم " لتعليل الحمد ، وبيان تسببه الحامل عليه ، إذ لا يعرف قدر النعمة إلا بضدها ، وحاصله فكم ممن لا يعرف كافيه ، ولا مؤويه أو لا كافي له ولا مؤوي على الوجه الأكمل عادة ، فلا ينافيه أنه تعالى كاف لجميع خلقه ، ومؤوي لهم من وجه آخر والله سبحانه أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية